بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين المنتجبين الهداة المهديين المعصومين المكّرمين سيما بقية الله في الأرضين (أرواح العالمين له الفداء).
قال الله الحكيم في كتابه: بسم الله الرحمن الرحيم { ذلك بان الله لم يكُ مغيراً نعمة انعمها على قوم حتى يُغيّروا ما بأنفسهم وان الله سميع عليم }.
ان هذا الاجتماع العظيم يوحي بمضامين كثيرة وهو فريد من نوعه وهو من بركات ثورتنا الإسلامية الكبرى، فهي التي أتاحت لنا هذه الفرصة ليجتمع مسؤولو البلاد مع أركان الحوزة العلمية وفضلائها وأساتذتها وشخصياتها المعروفة تحت سقف واحد في جوّ المحبة، حيث القلوب متحدة، اجتمعوا مع بعضهم البعض ليتبادلوا وجهات النظر حول القضايا التي يرونها مهمة.
وفي الحقيقة ان هذا الاجتماع لم يحصل بهذه الكيفية في مسيرتنا، وعلى مدى التاريخ أو انه لم يحصل هذا في التاريخ المدوّن الذي اطلعنا عليه.
وهناك فرق بين ان تجتمع مجموعة من الروحانيين والعلماء التابعين لاجهزة القوى الطاغوتية لاجل كسب الدنيا وجلب حطامها الزهيد، فيميلون الى طواغيت العالم ومتجبريه المتكبرين ويتكلمون ما يحلو لأسيادهم وطبقاً لأهوائهم، وبين ان تجتمع مجموعة علمائية تمثل القمة في الحوزة العلمية في بلد معيّن مع كبار مسؤولي الدولة في ذلك البلد، حيث يربطهم الاتحاد المعنوي والتواصل والعلاقة الروحية والفكرية ليصبحوا وحدة متراصّة. وهذان أمران مختلفان.
والنوع الثاني من الاجتماعات لم يتحقق في الخارج ولم يحصل في التاريخ الماضي المعروف الى جانب انه ما تحقق وما وجد في مكان في العالم المعاصر.
ولذا فانه يجب على أولياء الأمور في البلاد وعلى الفقهاء والعلماء في الحوزة ان يشكروا الله تعالى. هذه الفرصة ثمينة جداً، ولا يتحقق شكر هذه النعمة الا في الاستفادة من هذه الفرصة بكل ما أمكن من الاستفادة.
نعم لو أردت أن أعمل وفقا للشوق والرغبة والميل القلبي والتوجه الروحي الموجود في نفسي كان يجب عليّ ان آتي الى قم من قبل لأرى مثل هذه الاجتماعات عن قرب، وأشارك فيها، ولكن ما كُل ما يتمنى المرء يدركه، والظروف لم تسمح بذلك والآن نحمد الله تعالى ان سنحت لنا الفرصة لعلنا نستفيد منها ان شاء الله..
وهنا التفاتة صغيرة أخرى أقدمها لكم قبل البدء بكلامي، وهي ان أفضل أنواع هذه المجالس هو ما يسمى اليوم في العالم بالندوة الفكرية، وهو ان يجتمع أهل الرأي ويتبادلوا النظر حول موضوع واحد يختارونه، فيطرح كل واحد منهم آراءه التي توصّل اليها بعد التحقيق والتأمل والجهد الفكري ومن ثم تجمع هذه الآراء وتُنظم حسب موضوعاتها للرجوع اليها والاستفادة منها.
نعم هذا هو النوع الصحيح والمثمر لهذه الجلسات (الندوات).
لكن اجتماعنا هذا ليس من هذا القبيل المتقدم، لأنني سوف أتكلّم وأقدم لكم الموضوع، وأنتم الاساتذة وكبار فضلاء الحوزة تسمعونه، وبعد طرحه نسعى معاً لتطبيقه والعمل به أم لا؟، وعلى أي حال فإننا سوف نطرح الموضوع من جانب واحد، مع العلم اننا قد استفدنا هذه الليلة مما تفضل به آية الله المشكيني كما عوّدنا دائماً، وقد مهد لنا طريق الوصول الى الهدف الذي نتوخّاه من كلامنا وعبّر عما يجيش في صدورنا، مع العلم ان هذا شيء، والندوة وتبادل وجهات النظر شي آخر. يجب على الحوزات ان تقوم بمثله، وتعقد مثل هذه الندوات.
افرضوا ان قضية طُرحت في الحوزة كموضوع المعيشة، وهي مسألة مهمة، وإحدى أهم المسائل في العالم، أو كالأمور المتعلقة بالوضع الأخلاقي للحوزة او الأشياء التي يطرحها الآن شباب الحوزة مراراً وتكراراً، وهي التدرج العلمي والدراسة والتخصصات الحوزوية وأنواع الخدمات التي يجب ان تقدمها الحوزة للدولة، كلها مواضيع مهمة فكيف نحلها؟ ان طريق الحل هو ما ذكرت، فلابد وان يفكر أناس من داخل الحوزة ويعملوا انطلاقاً من المسؤولية. ينظمون الواجبات ويوزعونها فيما بينهم كي يصبح من يقوم بهذا العمل معلوما، هذا العمل لابد وان يشيع في الحوزة ان شاء الله تعالى.
ان الموضوع الذي أردت ان أذكره هو على قسمين:
القسم الأول ــ الحكومة الإسلامية ومنجزاتها
ان حكومة الجمهورية الإسلامية في حد ذاتها حكومة مرتبطة بعلماء الدين وذلك لان العلماء لهم النصيب الأوفى في ايجاد هذه الحكومة، وكذلك باعتبار ان الناس يراجعونهم في شؤونها وهم أنفسهم مرتبطون بهذه الحكومة من جهات عديدة، ولهم فيها مسؤوليات مختلفة لهذا كُله لابد لعلماء الدين والحوزات العلمية من ان يقفوا على أوضاع الحكومة وأبعادها كما هي في الواقع ليتعرفوا على النقائص والتقدم الحاصل فيها، ويشخصوا المواضع التي تحتاج الى مساعدة والمواقع التي يستهدفها العدو ويتقدم نحوها، يتعرفون على هذا كله ليستطيعوا ان يؤدوا دورهم الصحيح والمطلوب لاستمرار هذه الحكومة وديمومتها .
لا يمكن للحوزة العلمية ولعلماء الدين والمجامع الدينية والروحانية ككل ان لا تطّلع على وضع النظام وان لا تتعرف على ما يحدث فيه.
اذا أردتُ ان أقدم تقريراً اجماليا عن هذا الحكم الذي هو وليد قم وهدفها المنشود والذي انجبته وربتهُ وبَثتْ فيه الروح، فقد ولد وتربى وكبر وترعرع في حضن هذه الحوزة، اذا اردت ذلك استطيع ان ألَخّص هذا التقرير ضمن الفقرات التالية:
1 ــ التدرج في حل المشكلات الاجتماعية
ان حكومة الجمهورية الإسلامية قد حققت لحد الآن درجات عالية من التوفيق، فاذا نظرنا الى نظام الحكومة الاجتماعي من مختلف الجهات وقد مضى عليه ثلاث عشرة سنة، وقمنا باجراء عملية حسابية منطقية للنتائج المتوقعة منه مع ما فيه من الإيجابيات والتي هي كثيرة وقيمة وعظيمة الى جانب المشكلات التي وجدت خلال ثلاث عشرة سنة، والتي هي أيضاً بدورها عظيمة جداً، فاذا كتبنا هذا كلهُ على صفحة واحدة وأحصيناه يجب ان نقول: ان ما كان يتوقّع من حكومة الجمهورية الإسلامية أما انه قد تحقق كله أو ان ما تحقق منه هو الأكثر مما كان متوقعاً. يمكن طبعاً ان نذكر مورداً معيناً ولكن توقع حصوله غير منطقي، ونقول: هذا لم يتحقق ولكن هذا أمر توقعه غير منطقي، مثلاً في الحرب كُنا نريد ان نسيطر على نهر او مرتفع وبعد ان يسعى المقاتلون ويبذلوا جهداً كبيراً ويقدموا شهداء ويسيطروا عليه ويكبدوا العدو خسائر فادحة ويصلون الى هدفهم، بعد هذا تُشن الحملات الإعلامية المعادية اما من قبل العدو مباشرة واما من قبل حماته ويقولون: ان إيران لم تستطع ان تحتل البصرة. وكاننا كنا نريد بتلك الأعمال العسكرية ان نحتل البصرة، نعم نحن لم نتمكن من احتلال البصرة، ولكن هذه الحملات الدعائية لأجل أي شيء كانت؟
هذه لم تكن الا لأن هناك نفوساً مضطربة كانت جالسة ومنتظرة لترى فوائدها من رؤوس الأموال التي وضفتها في جبهات القتال، فهي تشعر ان هذا التوظيف ذهب سدى، لذا يقولون: انهم لم يستطيعوا ان يأخذوا البصرة ــ مع ان البصرة لم تكن هي الهدف. وهذا نفسه يجري في الجمهورية الإسلامية هذه الايام، فان الإذاعات الأجنبية مملوءة بالاحصائيات للأعمال التي لم تتحقق في إيران، وقولهم هذا صحيح الى حد ما، وإن كانوا يكذبون في موارد كثيرة، فان الأعمال التي حصلت إما ان يقولوا انها لم تحصل أو يكتمونها، فهم يعقتدون ان الصدق لا يجب ان يقال، ولكن ما يقولون عنه انه لم يحصل، فانه ليس من الأمور التي قال النظام بأنه يستطيع ان يحققها خلال ثلاث عشرة سنة.
أي نظام استطاع بهذه التشكيلات المنسجمة وهذه القوة العملية الموجودة عند الموظفين ان يحصل على هذه المنجزات في هذه المدة حتى يتوقع من حكومة الجمهورية الإسلامية مع كل هذه المشاكل ان تحقق نفس النتيجة.
2 ــ تطبيق الفقه على المجتمع
ونحن ان أردنا ان نلخص الشيء الذي لابد وان نقوم به، في جملة واحدة او عبارة واحدة فان هذه العبارة هي «الفقه الإسلامي». يجب ان نطبق الفقه على المجتمع، ليس الفقه الإسلامي هو عبارة عن الطهارة والنجاسة والعبادات، وانما هو الذي تشمل فروعه جميع جوانب حياة الإنسان الفردية والاجتماعية والسياسية والعبادية والعسكرية والاقتصادية، فقه (الله أكبر) يدير حياة الإنسان، فهو الذي ينظم ذهن وفكر وروح الإنسان، وهو الذي يصحح آداب حياته وينظم علاقاته الاجتماعية والسياسية ووضعهُ المعيشي وعلاقاته الخارجية.
ونحن اذا أردنا ان نتعلم هذا الفقه فقط خلال ثلاث عشرة سنة، فهل يمكننا ذلك؟ مع ان العمل به أصعب من تعلّمه.
فاذا أردنا ان نحذف خطيئة من المجتمع فان ذلك لا يمكن بإشارة واحدة ولا يمكن أيضاً ان نفعل هذا بالإكراه، واذا أردنا ان نزيل الفقر من المجتمع، هذا المجتمع الذي كان انتاجه وعلاقاته الاقتصادية الى سنوات بل قرون متمادية تحت ظل وضغط الحكومات الظالمة، فانه لا يمكننا في مدة قصيرة ان ننظم جميع شؤون هذا المجتمع، فان ادارة البلد صعبة جداً وادارة الحياة ومواجهة الواقع أصعب بمراتب مما يتخيله الإنسان ويتصوره عن تنظيم الأوضاع.
فنحن لابد وان ننظر الى الهدف الذي حددناه خلال هذه المدة لنرى هل انجز في هذه المدة عمل يوصلنا الى ذلك الهدف أم لا؟.
وهل كنا موفقين بمقدار ذلك العمل أم لا؟، فان رأينا أنه تم هكذا عمل فنحن موفقون، فاذا أردنا ان نقوم بعملية احصاء نهائي لما حصل من الأعمال فإني أقول: ان هذه النتيجة قد حصلنا عليها.
3 ــ سير المجتمع نحو الاتجاه الصحيح
نحن استطعنا في بلدنا ــ عندما أقول «نحن» لا أقصد أنا نفسي بل نحن النظام وأفراد الناس والمسؤولين والروحانيين وأساتذة الفكر والكتّاب وغيرهم والدور الذي قام به الإمام العظيم (رضوان الله تعالى عليه)، وكل من كان له ادنى دور نحن ــ استطعنا في هذا البلد ان نغير جهة الحياة التي كانت للناس، وهذه الجهة هي جهة الخطيئة استطعنا ان نغيّرها ونهدي الناس الى طريق الحق والصواب وفعل المعروف، فان هذا قد حصل في هذا البلد.
وعندما يكون المجتمع متجها صوب الخير والصواب ليس معنى هذا انه لا يوجد مخطئ ومذنب في المجتمع، بل قد يكون المذنبون كثيرين، ولكن الجهة صحيحة وكما يقول الإمام الراحل (رضوان الله تعالى عليه) عندما كنا في خدمته وذلك حينما أصدر أحدى فتاواه المعروفة مؤخراً، كان يُعبر هكذا: اليوم كل شيء في بلدنا يسير بالاتجاه الصحيح ويترقى باتجاه ذلك.
ومن الطبيعي رغم كون المجتمع يسير بالاتجاه الصحيح ان يوجد انسان خبيث يسيء الاستفادة من الناحية المالية او الثقافية او من ناحية ادارات الدولة، قد يسيء فرد الاستفادة من المراكز والمنابر والمناصب المختلفة، هذا كله ممكن ولكن الشيء الموجود ان الوجهة التي يسير نحوها المجتمع صحيحة.
نحن استطعنا ان نجعل القوانين في بلادنا اسلامية، فإن كل قانون تفرزه الدولة فهو قانون اسلامي. نحن استطعنا ان ننتخب المسؤولين التنفيذيين من بين الاشخاص المتدينين، فكل مسؤول تنفيذي يوضع في مركز حساس في الحكم فهو متدين. وان شاء الله تعالى سيأتي ذلك الوقت الذي سيصبح فيه كل المسؤولين التنفيذيين العاديين متدينين ايضاً. ولكن هذا من الأعمال الطويلة الأمد، لأن هذا العمل ليس عمل الدولة، هذا العلماء عمل العملاء والروحانيين، عمل المبلغين والمربين، عمل الدين الذي يصنع الإنسان.
والا افرضوا اننا لو اردنا اليوم ان نفرّغ الوظائف التي يشغلها الأفراد وكما يقال اللادينيون ــ غير الملتزمين دينياً ــ فإنه لا يعلم اننا نستطيع سد هذا الفراغ بأشخاص متدينين عقائديين كما نريد.
يجب ان نصنع الإنسان، وصنع الإنسان مشكل، انظروا انتم الى الحوزة سترون ان صنع الطلبة وصنع الإنسان وتربية العنصر الصالح لمختلف الأعمال كم هو شاق، وسيأتي الكلام عن وضع الحوزة في موضعه الخاص به.
فالتغيير في المجتمع صعب جداً وخاصة في المجتمع الإسلامي لأن الحكم الإسلامي متميز في العالم ــ فهو عزيز ومستعص على الكفار أشداء على الكفار، رحماء على المؤمنين من هذه الجهة فإن نظامنا في هذه الايام موّفقٍ ومترقٍّ.
4 ــ الموقع المتميز للجمهورية الإسلامية في العالم
قبل قليل كنت استمع الى الأخبار، قال أحد قادة أحد المجموعات الغربية المهمة: «ان هناك امبراطورية إسلامية في حال التكوين والتحقق ولا يمكن إرعابها بأي وسيلة من الوسائل» والشيء الملفت للنظر هو انه لم يقل: لا يمكن القضاء عليها، لان الكلام ليس في القضاء عليها، لانه من المعلوم انه لا يمكن القضاء عليها.
فالدول الكبرى كانت تسيطر على الشعوب وعلى الدول وتغلبها بإرعابها وإخافتها فإنه يكفي لان تطلق صرخة فترتعد منها فرائصهم وترتعش ارجلهم وايديهم وينهزموا، وقد رأيت هذا الوضع في الفترات السابقة عندما كنت أسافر الى المؤتمرات الدولية، فقد كان الجو هناك هكذا، قلوبهم كلها متفقة على شيء واحد ولكنهم يخافون والشعوب أيضاً تخاف فليس هذا الخوف خاصاً بالدول فلا تتصوروا ان الشعوب لا تخاف، اما الشجاعة التي ترونها في شعبنا فهي موهبة إلهية وجدت فينا هذه الايام طبعا وهذا الإحساس بدأ يظهر في الدول الإسلامية في العالم، فهي عزيزة مستقلة مرفوعة الرأس، وهذا ما أدركه العدو من صلابتها، فهو يشعر باستحكامها وصلابتها، وأنها كالجبل، فلا يمكن زعزعتها ببساطة.
5 ــ انجازات الجمهورية الإسلامية من ناحية الوضع الاقتصادي
ان الشيء الموجود اليوم في ايران على المستوى الاقتصادي، فهو من جهة كونه انتاجا وطنيا يعتبر عملا اصيلاً وحقيقياً، وقد يقال: ان مستوى الانتاج الوطني قد وصل الى نفس الدرجة التي وصل اليها في أزمنة سابقة على الثورة، ولكننا اذا قارنّا الانتاج الحاصل الآن بمستوى الانتاج الماضي مع الأخذ بعين الاعتبار التضخم الحاصل وغيره، فاننا نحصل على أرقام معتبرة الآن بالاضافة الى الاختلاف الموجود في معنى الانتاج الوطني في كلا الفترتين.
ان الشعب الإيراني وحتى في القرى النائية يعلم ان الجمهورية الإسلامية اوجدت له وسائل الرفاهية في مختلف شؤونه الحياتية كالسكك الحديدية والطرق المعبدة أو الممهدة ووسائل الاتصالات والاستيراد والكهرباء والماء والهاتف مع العلم ان هذا ليس خاصا بالمدن الكبيرة، واحصائيات هذه المشاريع لم تكن موجودة سابقاً، وقد كنت اطلع في السابق كم كان الإمام (رضوان الله تعالى عليه) يحث المسؤولين ويتسائل: لماذا لا تبرزون الاحصائيات للعالم؟
وأنا الآن عندما التقي مع الاوساط المختلفة وأطلع على هذه الإنجازات أقف على أرقام مذهلة في هذا المجال. نعم يمكن لشخص حقود سيء لا يشعر بالمسؤولية ان يطعن بما تحقق من الأعمال، وكذلك يمكن للعدو الاجنبي ان يشكك في هذه الاحصائيات ويقول: ان دولتكم قالت كذا وكذا ونحن لم نر ذلك.
أتريد ان يأتوا بها الى طهران ويطلعوك عليها في مكتبك، اذهب أنت واطّلع عليها حيث هي، فإنني عندما ذهبت الى (بوشهر) اطلعوني على احصائيات الاعمار التي انجزت هناك وقد كانت تبعث على الحيرة مع ان بوشهر محافظة فقيرة للغاية. طبعا اذا تصور أحد ان ما أنجز سوف يغير الملامح العامة للبلاد بحيث ان الانسان لا يجد كل آثار الفقر التي كانت موجودة، فانه سوف يكون من التوقعات غير المنطقية في هذه المدة، وهو مثل فتح البصرة، وهل يمكن ان تنجز هكذا أعمال في مدة ثلاث عشرة سنة، وهل يستطيع من لديه ثروات وميزانية عشرة أضعاف ما عندنا أو عشرين ضعف أو مائة ضعف هل يستطيع ان يمحو هذا الفقر من بلده؟.
طبعاً نحن لا نقاس باولئك لانهم هم لا يريدون ذلك لأن السياسة الرأسمالية ليست مبنية على ان يصبح الناس أغنياء أو لا يبقوا فقراء، فإنها ان اغنت الفقير فإنما لأجل ان يعمل لها والذي لا يعمل فلا مانع عندها ان يلاقي الموت، والموجود في الرأسمالية تشريد وبطالة، وإذا لم تستطع الشركات الرأسمالية ان تستخدم هذا الإنسان أي اذا لم تكن لها به حاجة وقيل لها: ان الدولة تريد ان تزرقه ابرة سم لتقضي عليه تقول: نعم لتزرقه، لان هذا ليس مشكلة عندها.
وأما نحن فالموضوع عندنا غير هذا نحن نقول: ان كل انسان وليس الانسان الذي يعيش في هذا البلد فقط ــ وإن كان علينا مسؤولية مباشرة وأكثر فورية بالنسبة الى شعبنا ــ والا فإن جميع المسلمين في العالم هم عائلتنا بمعنى من المعاني، واذا فرغنا من المسلمين فان كل جياع العالم عائلتنا (هذا اذا لم يكونوا محاربين) وهذه القضية قضية مبدئية. ولذلك فإنه بناءاً على هذا فان الدول الغربية المتقدمة اقتصادياً سوف لن تستطيع ان تقوم بهذا العمل وهو محور الفقر بشكل كامل.
وأما الجمهورية الإسلامية فهي متجهة الى ذلك، وان شاء الله سوف تصل اليه. الاحصاءات التي اجريت على الأميين تشير الى تدني ملحوظ في هذا الحقل، وكذلك احصاءات مشاكل الطبقات الفقيرة في مختلف المناطق تدنّت ايضاً الى درجة كبيرة طبعاً، المستوى المعيشي ارتفع والتوقعات ازدادت والتضخم العالمي يؤثر على التصخم في بلدنا، ولكن السياسة الاقتصادية الموجودة هنا الآن هي سياسة واقعية اي ان الشيء الموجود بعنوان الإنتاج الوطني الذي نسعى لزيادته، والبرامج الاقتصادية التي تعلن هي برامج حقيقية وإنتاج حقيقي بما للكلمة من معنى، وتستطيع ان تملأ خزينة البلد وليست هي أمراً شكلياً وظاهرياً، ففي الماضي الصناعة التي كانوا يأتون بها صناعة كاذبة ومزيفة، كانت صناعة ولكن لم تكن بالتي تجعل البلد مستغنياً.
6 ــ تطور الصناعة نحو الاكتفاء الذاتي
في مجال سلسلة الحلقات الصناعية فإن هذه السلسلة الموجودة في أي بلد ما يكون لها حلقات كلها ضرورية لتلك الصناعة، فهي تبدأ من المعادن والمواد الأولية وتنتهي في الانتاج الذي يجعل هذه المواد وسائل يستعملها الناس في بيوتهم، فان هذه السلسلة في الصناعة كان يوجد منها حلقات لا تصنع في البلاد فتكون السلسلة مقطوعة ويتركونها هكذا عمداً لأجل ان تبقى البلاد دائما محتاجة الى اجانب، واما اليوم فليس كذلك، فان المعنيين يعملون بشكل حثيث وواقعي لترميم هذا النقص.
7 ــ الثورة الثقافية في الجمهورية الإسلامية
وكذا الحال في الحقل الثقافي، فالملاحظ اننا (نحن وأنتم) أيها الاخوة: كنا نمتلك دوافع لتبليغ الإسلام قبل الثورة، وكان طموحنا ان نكتب كلمتين او نلقي خطبة، وكنا نأمل ان ينشر من الكتاب الذي نؤلفه البالغ مائتين او ثلاثمائة صفحة عشرة آلاف نسخة لعل يقرأه عشرة آلاف شخص، وكنا نرجو من المحاضرة التي اعددناها وشغلنا فكرنا فيها وتوصلنا الى بعض النتائج الفكرية ان يجتمع خمسمائة شخص ليستمعوا اليها.
اما اليوم فان الإذاعة والتلفزيون يمضيان ساعات كثيرة في بيان الحقائق الدينية. طبعاً انا لست راضياً بهذا فقط وأقول لكم: انني لست راضياً عن كمية البرامج كذلك ولست راضياً عن كيفيتها، وهذا تقصيرنا كلنا، ولأجل أي شي نستحي من بعضنا ولا نصارح أنفسنا؟ فان الحوزة العلمية يجب عليها ان تُعِدَّ لذلك كله، فأنتم اليوم يجب عليكم ان تهيئوا المواد الفكرية اللازمة لجميع الطبقات في المجتمع والتي تصيّرهم مؤمنين بالإسلام بعيدين عن الذنوب راغبين بالحق مطمئنين برضا الله والتي تترك الأثر فيهم بحيث توصلهم الى رضوان الله تعالى، وأنا أتساءل: أين هذه البحوث الفكرية؟ سيرة الأئمة الآن تلقى من خلال وسائل الإعلام، فعندما تمر مناسبة وفاة (شهادة) أحد الأئمة المعصومين (صوات الله عليهم أجمعين) يتكلم في الاذاعة والتلفزيون عن ذلك الإمام العظيم في ذلك اليوم خمس أو سبع أو عشر ساعات، وهذا ليس بقدر ما ينبغي، لاننا اذا استطعنا حقا ان نتكلم مثلاً عن الإمام الباقر عليه السلام في الإذاعة عشر ساعات أو خمس ساعات ومع ما لهذه الوسيلة الإعلامية من تغطية واسعة هذا يعني انه قد بذلت جهود كبيرة لاعداده، أتعلمون كم يحتاج الروحانيون والمفكرون الإسلاميون من العمل لاعداد هذه الخمس ساعات من البرامج. ان هذا ليس بعمل سهل، الاشكال يرد علينا وعليّ أنا أيضاً من جهة كوني روحانياً مثلكم، اننا لا نملك الكفاءات لسد الفراغ، هذا التقدم العظيم الذي وصلت اليه اذاعتنا وتلفزيوننا لسد الفراغ ووسائل الإتصال الجماعي مهم جداً، ولكن ليس معنى ذلك انه لا يوجد نقص فيه، بل هذا موجود، فإن هناك أشياء كثيرة لابد من اصلاحها على المدى الطويل.
والانسان الذي يتصور اننا نستطيع ان نصلح ثلاثة عشر ألف موظف أو اثني عشر ألف موظف موجودين في مؤسسة الإذاعة والتلفزيون منذ زمن الشاه وذلك في فترة وجيزة مع ان منهم المتخصصين والفنيين والكتّاب والممثلين والفنانين والمشغولين بجميع أنواع الوظائف، من يتصور اننا نستطيع ان نستبدلهم بشباب متدينين مسلمين في مدة ثلاث عشرة سنة فهو مشتبه، وان كان قد تم استبدال قسم منهم، وبقدر ما يأتي من موظفين متدينين الى الإذاعة والتفزيون ستكون هذه البرامج جيدة. وفي كل مرة ترون ان البرامج ليست جيدة فهو معناه اننا لم نستطع ان نبدل مسؤول تلك البرامج، بعض العلماء يقول لي: ان البرامج التلفزيونية سيئة، وأنا لعلي استمع الى الاذاعة وانظر الى التلفزيون أكثر منكم وأرى كم يوجد من الخطأ فيها فهناك ملاحظات لديّ، او لعل كثيراً ممّن يذكرون لي الملاحظات يتصورون اني غير ملتفت اليها، ولكن ليس كذلك، بل انا ملتفت لها، فأنا دائما على صلة مع العاملين في هاتين المؤسستين، فأنا لم أهمل هذا الموضوع، فإنني في هذه السنوات الثلاثة الأخيرة ركزت على الاذاعة والتلفزيون بمقدار لم يحصل في الفترات السابقة، وقد حصل فيها تقدم نسبي، وان كانت الملاحظات الموجودة كثيرة والموارد التي توجد عليها ملاحظات سببها فقدان الكوادر المناسبة لها، وعندما توجد الكفاءات المناسبة فستصبح جيدة، والمورد الذي توجد فيه الكفاءات فهو جيد، فإن الفيلم الذي يعرض في التلفزيون وتشاهدونه ويهتز قلبكم منه شوقا الى رضوان الله ويجري دمع الانسان تأثراً، فهذا الفيلم هو انتاج ذلك الإنسان المتدين الذي اتى الى هذه المؤسسة بعد الثورة، وليعلم ان هذه الجودة عندما نقول: ان الإذاعة والتلفزيون جيدان هي جودة نسبية، فالانسان لا يرضى بالجودة النسبية، فان الإنسان عندما يُبتلى بمرض شديد ويتماثل للشفاء ويستطيع ان يفارق السرير ويخطو عدة خطوات، فيسألوه: كيف حالك يقول: الحمد لله جيد، فهو يصدق عليه انه جيد ولكن انما يكون جيداً حقيقة عندما يستطيع ان يعدو ويحمل حملاً ثقيلاً، ولاجل ان يصدق عليه انه جيد بكل ما للكلمة من معنى لابد وان يصل الى هذه الحالة.
فتقريري عن وضع البلد هو اننا بحمد الله نستطيع اليوم ان نقول بكل جرأة وافتخار واعتزاز ونحن مرفوعو الرأس: ان الدولة الإسلامية نالت من التقدم أكثر مما كان يتوقع لها، وبالمقدار الممكن وذلك بما يتناسب مع الإمكانات والمشاكل الموجودة ولا أقل من ان التقدم كان بمستوى التوقعات.
هذا هو القسم الأول من الموضوع الذي رأيت أنه من الضروري ذكره في هذا الاجتماع العظيم المهم، والسبب هو ان الدولة الإسلامية مرتبطة بكم ارتباطاً وثيقاً وأنتم لا تستطيعون الا ان تطّلعوا على أوضاع الدولة الإسلامية، وما قدمّته كان الخطوط العامة لمعرفة هذه الأمور واما جزئيات ذلك فيمكنكم ان تطّلعوا عليها، بل يجب ان تقفوا عليها وتعرفوها.
القسم الثاني ــ الحوزة العلمية
القسم الثاني هو ما أتكلم فيه عن الحوزة، وهو ما ذكره سماحة آية الله المشكيني أدام الله بقاءه الشريف وأدام الله وجوده.
ايها السادة ان الحوزة ظاهرة فريدة من نوعها ومسؤولياتها اليوم اذا قيست الى ما كانت تتحمله من مسؤوليات في الماضي، فهي استثنائية، فإننا لم نشاهد في التاريخ الإسلامي مثل هذه الحوزة من حيث الكمية، حيث يوجد فيها عشرون ألف طالب علم أو أكثر كما ذكر آية الله المشكيني، وبالطبع فان هناك حوزات أخرى كحوزة النجف الأشرف والتي ما زالت قائمة ــ ولله الحمد ــ وان تعرضت الى ضغوطات كبيرة من قبل الأعداء، وطبعاً سوف لن يقضوا على هذا الحصن العلمي العظيم، وسوف تبقى ان شاء الله رغما عنهم فهم ميتون وذاهبون، وسوف تستعيد هذه الحوزة مجدها وعظمتها وتنشر بركاتها على الدنيا ان شاء الله.
وكذلك توجد حوزات في مختلف انحاء البلاد، فنحن لم يكن لدينا مثل هذه المجموعة الحوزوية العلمية في تاريخنا، وكذلك لا يوجد مثلها عند الأديان الأخرى غير الإسلام. فهي أيضا لا تمتلك هذه المجموعة العلمية من ناحية الكم والكيف، وإن كان يوجد أمثال الأزهر وغيره، ولكن يوجد بون شاسع بينه وبين ما هو موجود عندنا اليوم في الحوزة العريقة في قم، فالذي عندنا شيء قيم حقا.
ان هذه الحوزة عليها تكاليف ووظائف تجاه نظام الجمهورية الإسلامية، وهذه الوظائف والتكاليف تختلف عما كانت عليها قبل الثورة الإسلامية اختلافاً كلياً، فإن عملنا تبدل وأصبح له طبيعة أخرى غير الذي كان سابقاً من حيث الحجم، وهذا الاختلاف سبب في إيجاد طبيعة جديدة لعملنا.
موقف العلماء من الحكومات
ان موقف العلماء في العالم الإسلامي من السلطات الحاكمة على مدى التاريخ وجميع علماء المذاهب المختلفة يمكن تقسيمه الى ثلاثة أنواع:
الأول: ان يكون العالم تابعاً للسلطات بحيث يصبح جزءاً من ذلك النظام وهذا ما لم نَرَ له أثراً في نفوسنا نحن الشيعة ولا في حوزاتنا العلمية الشيعية النيرة، فان الحوزة العلمية مؤسسة علمية روحانية ولا ينبغي ان تكون مؤسسة من مؤسسات الدولة ولا يمكنها ان تكون كذلك، ولو كانت تلك الدولة هي الدولة الإسلامية دولة الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف)، فان الحوزة العلمية اذا أرادت ان تبقى وتنمو وترتفع وتحصل على الأهداف المرجوة منها فهي لا يمكنها ان تكون فرعا من فروع الدولة وهذا ما نرفضه، هذا ما اعتقده انا وأصر عليه وإن كان يوجد هناك آراء أخرى معاكسة لذلك ولكنني ارفضها عن علم ومعرفة بها. وأما الحوزات العلمية لدى الآخرين فانها أحد فروع الدولة وعندهم ادارة تسمى ادارة الأوقاف او ادارة الأمور الدينية تتولى ادارة بعض المؤسسات كالمساجد وائمة الجمعة و.... فهي تعطي للعالِم رسالة مكتوبة وتقول له: اقرأها للناس، أو يقال له: اعط هذا الدرس ومقابل ذلك يخصصون له راتباً شهرياً، وهذا ما نرفضه.
الثاني: هو موقف اللامبالاة، وذلك كالموقف الذي كانت تتخذه الحوزة من النظام والحكومات الماضية (قبل الثورة)، وهذا أحد المواقف أيضاً، ولكن ليس معنى هذا ان العلماء لم يتدخلوا في أي موضوع من المواضيع ولم يساعدوا في شيء، فانهم كانوا عندما يشخّصون وجود ضرورة لتقديم يد العون يلبّون ذلك، فإن المرحوم الشيخ «جعفر كاشف الغطاء» رضوان الله عليه يحتمل انه كتب كتابه «كشف الغطاء» لأجل ادارة الحكم على زمن فتح علي شاه القاجاري كما يظهر ذلك من المقدمة، فهو عندما يذكر فيه مسائل من قبيل انه هكذا يجب تقديم المساعدة، وهذا ينبغي عمله، وهذا لا ينبغي عمله، انما يقصد بذلك الحكم القائم في زمانه.
وكذلك المرحوم الميرزا القمي (رضوان الله عليه) فقد كتب رسالة خاصة في الحرب بين ايران وروسيا في زمن فتح علي شاه أيضا، فإن الرسالة التي بيّن فيها أحكام الجهاد سماها «الرسالة العّباسية» نسبة الى الميرزا عبّاس وذلك لأن أمور الجهاد كانت من المسائل التي ابتليت بها الدولة آنذاك، ومن الواضح ان الميرزا القمي استطاع ان يواجه موضوع الحكومة آنذاك بلباقة واحتياط افضل مما واجهها به المرحوم الشيخ كاشف الغطاء، لأن الميرزا كان هنا في ايران وكان يرى الحكم عن قرب. ولذا فقد كان يعرف كيف يتصرف معه، والمرحوم الشيخ كاشف الغطاء (رضوان الله عليه) كانت لديه صورة حسنة عن الحكم مع ان الحكم آنذاك ليس كما كان يتصوره، وهذا موضوع آخر ويدل على ان العلماء رغم انهم كانوا معارضين للحكم الا انهم لم يكونوا لامبالين نهائياً، وهذا الموقف غير سليم في وضعنا الفعلي بل هو غير ممكن الآن، فاذا كنتم تتصورون ان الحوزة اليوم يمكنها ان تتخذ من نظام الجمهورية الإسلامية هذا الموقف الذي كان يتخذه العلماء من انظمة الحكم على مر الأزمنة فان هذا خطأ من جهات عديدة، فإن تلك الحكومات كانت جائرة وحكومة الجمهورية الإسلامية حكومة ولاية الفقيه وهي حق محض وجميع المسؤوليات فيها مبنيةُ على الأمر الآلهي، فهي لا تقاس بالحكومات الأخرى، وبالاضافة الى كل هذا فان نظام الجمهورية الإسلامية مؤسسة قائمة على العلماء وذلك لأن الشخص الاول في هذا النظام هو القائد، والقائد يجب ان يكون فقيها أي عالماً، ولأجل هذا فان الحوزات العلمية وعلماء الدين لا يمكنهم ان يكونوا سلبيين تجاه شؤون البلد وما يحدث فيه فلا يمكنهم القول ان الآخرين يعلمون ماذا يحدث ولا يمكنهم ان لا يتخذوا موقفاً لا سلبيا ولا إيجابياً فلا يصّرحوا بما يعارض النظام، واذا انصفوا يقولون: لا نتكلم ضد مسؤولي النظام، فان هذا ما لا يمكن للعلماء فعله، لان القضية ليست من القضايا التي يصحّ ان يتعامل معها باللامبالاة، فان النظام نظامكم، ولا مفر من ذلك فهو للعلماء، هو للدين فانكم اذا رفعتم أيديكم عن الجمهورية الإسلامية، فانها ستصبح جمهورية غير إسلامية.
واليوم بالرغم من وجود عناصر تمتلك ضميراً حياً في الحكم ولكن هذا غير كاف فانّ العلماء اذا ابتعدوا عن الحكم بالتدريج، فان النظام يصبح جمهورية غير اسلامية، وتوجد أيدٍ كثيرة تسعى لأجل جعل الحكم جمهورية غير إسلامية، يبذلون جهداً من أجل ذلك ويصرفون أموالاً طائلة لذلك وهم لديهم الخبرة بجميع أنواع الأعمال ويستعملون شتى الحيل في سبيل تحقيق أهدافهم، وهل يعقل ان نضيع جميع تلك الجهود والتضحيات ودماء الشهداء، وتلك الأنفاس الإلهية والمعنوية لذلك الرجل الكبير الذي كان يعمل ويجاهد من سن الثمانين الى التسعين وكأنه شاب، وما ذلك الا للتأييد الإلهي واللطف الرباني، فكيف يبقى حياً ويعمر الى التسعين من تحمل تلك الهموم؟ فهل يمكن اهدار كل هذا؟ فان ذلك لن تتقبله الأجيال القادمة وكل من يتخلى ويتخلف عن ذلك فهو مؤاخذ ومحاسب، بالاضافة الى ان الأجيال القادمة لن ترحمه، فنحن لا ننسى ما كنا نقوله ونردده في مقتبل اعمارنا، حيث كان حماس الشباب يَدُبّ وذلك ما بين سنة (1340 ــ 1350 هــ ش) فإننا كنا نوجه اللوم للذين كانوا يعاصرون الأحداث التي وقعت في العقد الممتد من (1320 ــ 1330هــ ش)، ولومنا لهم لأنهم لم يقدّموا أي عمل في سبيل تحطيم النظام الشاهنشاهي الذي كان قد ضعف في تلك الفترة خصوصاً في السنوات الأولى، وكنا نصف هؤلاء العلماء بانهم أناس لا همة لهم ولا يتحلون بالتفكير الصحيح، لانهم لم يتحركوا لاغتنام الفرصة الذهبية. فلوا اننا اليوم لم ندعم الحكومة الإسلامية فالاجيال القادمة لن ترحمنا حتى لو كنا في قبورنا، ولذلك من الخطأ الفادح ان نتخذ موقفاً لا مبالياً، وهذا نوع آخر من المواقف التي يمكن ان يتخذها العلماء ــ بل كان العلماء ــ يناضلون ضد الظلمة وسلاطين الجور، وبالتأكيد ان هذا الموقف اتجاه الحكومة الإسلامية غير صحيح.
الموقف الصحيح للحوزة اتجاه الدولة الإسلامية
ان هناك موقفاً آخر غير الاقسام التي ذكرتها، وهو ان يكون العلماء والحوزة العلمية سندا قوياً للدولة والذي قاله سماحة آية الله المشكيني ان دور الحوزة العلمية وأثرها أكبر من دور وأثر القوات العسكرية في حفظ الدولة هو عندنا من الأمور البينة والبديهية، فلاّبد من دعم الجمهورية الإسلامية ومساندتها، والمساندة والتأييد بالعمل، وان لا يقتصر ذلك على الكلام والخطب بأن نمدح الدولة ونمجّد المسؤولين.
بل الدعم المطلوب هو الدعم الحقيقي بكل معنى الكلمة، أي يُهيء للنظام ما يحتاجه من البحوث والدراسات الفكرية والطاقات والكفاءات الإسلامية، ويقوم بتوجيه الناس دينياً فان ادارة هذا الحكم تحتاج الى صناعة الإنسان وتعليمه، والحوزة العلمية هي المصنع الذي يتولى هذه المسؤولية ــ وهي صناعة الإنسان ــ وهذا المصنع يجب ان يكون لديه قدرة إنتاجية عالية ودائمة، فينتج العلماء والكتّاب والمتدينين. والفكر الجديد والنظريات الحديثة، فان الفكر الجديد لم ينضب كما ترون، مثلاً كلما قرأنا القرآن الكريم نجد معاني جديدة، طبعاً نقول هذا لانه لسان حال كبار علمائنا أمثالكم، واما انا فليس لدي ذلك الاستعداد، فلا ينبغي ان يقول البعض ان كل شيء جديد فهو موجود في الدين، فأي فكر جديد آخر تريد؟ أقول: حسناً، اننا الى الآن لم نفهم الدين جيداً فلذا لابد ان نستخرج منه الأفكار الجديدة التي الى الآن لم نطلع عليها وكما يقول الشاعر: (انه يمكن التكلم طول العمر عن خصال الحبيب)، فليس من المعقول ان الدين هو عبارة عن هذه الخطب فقط، وهذه الخطب التي نلقيها أنا وأنت من على المنبر أو تلك المقالات الي دوّنت في الكتب العلمية أو التبليغية والرسائل العملية، بل ان الدين أكثر من ذلك.
حاول ان تبحث عن الافكار الجديدة والله يسددك ويهديك. فإننا لا نقول بانسداد باب العلم في هذا المجال، بل الفقهاء حكموا بقبحه، انك مجتهد، والمجتهد يبحث دائماً عن رأي جديد، أي أنك تأمل ان تجد شيئاً جديداً فهل انك لا تعيد النظر في آراء الفقهاء في المسائل المُجمَع عليها؟ لا أقصد بالاجماع المعنى الاصطلاحي الأصولي، وتقول: ان العلماء ذكروا كل شيء أم أنك تستمر في البحث وتواصل التحقيق لعلك تكتشف أمراً جديداً لم يذكروه، وهذا في المسائل الثابتة كعلم الاصول، فمن باب الأولى ان نجد أفكاراً جديدة في المسائل المرتبطة بقضايا الدين العامة، والفقه بالمعنى الشامل، فهناك اشياء كثيرة لم نطّلع عليها لحد الآن.
يجب ان نستنبط نظامنا الاقتصادي من الإسلام، يجب ان نستنبط مسائلنا العسكرية من الإسلام، وكذلك الأحكام المتعلقة بسياستنا الخارجية والروابط الأخلاقية، ويجب إعادة النظر فقهيا في كثير من الأحكام الشرعية الفردية، ولا مجاملة في ذلك فإننا نطرح الدين كنظام دولة وكاطار حكومة، وطوال العصور الماضية لم ننظر الى الفقه من هذا المنظار، والسبب في ذلك اننا كنا فئات مغلوبة على أمرها، من كان بيدهم الحكم مارسوا السياسة الخاصة بهم، وكانوا يتقاسمون الغنائم فيما بينهم، أردنا نحن في تلك الظروف ــ حيث كانت قافلة الحكم تسير بالاتجاه الذي حدد لها من قبل الحكم وبالمقدار الذي استطعنا ــ أردنا تبليغ الناس بما هم أفراد أحكامهم الشرعية الفردية هكذا كانت نظرتنا للفقه، وقد سيطرت هذه النزعة على أقل تقدير في القرون الأخيرة، واليوم نطرح الفقه كنظام اجتماعي أي كشكل من أشكال الأنظمة الاجتماعية، وأحد أجزاء النظام الاجتماعي هو الحكومة الإسلامية، لان الحكومة والدولة تشكل جزءاً من النظام الاجتماعي العام، فهل هناك فقيه يجرؤ على القول انه قد استنبط هذه المسائل؟ وانها كلها جاهزة للتطبيق والتنفيذ؟ طبعاً لم يدّع أحد ذلك لا حاضراً ولا ماضياً، بل لا يجرؤ أحد على دعوى كهذه، فاذن يجب علينا ان نستخرج هذه المسائل من الفقه، وهذا يعني فكراً جديداً ومستحدثاً، والحوزة معمل لصناعة الإنسان والفكر والكتاب والنظريات والمبلّغ والمدرّس والمحقق ورجال السياسة والقيادة، يجب على الحوزة العلمية ان تصل الى مرحلة تكون قادرة على تقديم عشرة أو عشرين شخصية بحيث لو عرضوا على الأمة لاجمعت على كونهم صالحين للقيادة، ان هؤلاء العشرة أو العشرين يجب ان يكونوا مهيئين للقيادة وتولي ذلك المنصب.
ان وظائفنا كثيرة، هكذا يجب ان تكون الحوزة العلمية، والآن أسأل: هل ان الحوزة تقوم بواجبها أم انها لا تقدر على ذلك؟ حيث ان اجتماعنا هذا يخلو من التكلف والمجاملات اقول ان انتمائي للسلك الحوزوي والعلمي يمتد لفترة زمنية اطول من الفترات التي قضاها أغلب الحاضرين، ولعلي لا اجازف ان قلت هذا، لأنني أرى أكثر الحاضرين في مقتبل اعمارهم أي أكثر شبابا مني، ولذا تربطني أواصر وثيقة بالحوزة كالعلاقة القائمة بين النفس وذاتها ومتعلقاتها، بل أن الحوزة تشكل جزءاً من كياني.
المشاكل التي تعاني منها الحوزة
فالبحث عن القضايا الحوزوية ليس بحثا عن أمر غريب عني، وعندما أمعن النظر أرى الحوزة ليست كما ينبغي لها ان تكون، وهذا الذي دعاني لاقتراح ندوات فكرية، اعقدوا الندوات وناقشوا القضايا واحدة تلو الأخرى بالدليل والبرهان، وما افعله الآن هو مجرد طرح أفكار عليكم، ومن جانب واحد.
ان الحوزة ليست كما هو المطلوب، وعلى الأقل ان المتوقع منها ليس حاصلاً ولم يحصل حتى الآن، على فرض ان ذلك مقدور لها ولا تقوم به، فلماذا؟ طبعاً هناك خلل في الأمر يجب ان نكتشف هذا الخلل مع تأكيد انها بالقوة قادرة على ذلك، وأقصد انها تملك استعداداً وقابلية لهذا العمل.
في أيامنا هذه تملك الحوزة محققين كباراً وأكفاء، ومفكرين فحولاً والأدمغة العلمية فيها لو تبنتها المراكز التحقيقية العالمية في حقول علمية لأصبحوا عندهم نوابغ، وهذه من مصائبنا، عقول لو انها تعمل الآن لحساب مؤسسة علمية في حقل معين كالرياضيات أو الفيزياء او العلوم الطبيعية أو غيرها لكانت كالشمس الساطعة تضيء كل البسيطة ويسجل لها كل يوم اختراع، ولكن هذه النوابغ في حوزتنا شخصيات عادية، وليس معنى هذا اننا لا نضعهم في المقام اللائق بهم، بل لأننا لا نستفيد منهم الاستفادة المطلوبة وكأنهم غير موجودين.
فإذن الحوزة من حيث الاستعداد والقابلية يمكنها فعل ذلك ولكنها لا تفعل لماذا؟
المشكلة المعيشية
هناك اسباب، احدى تلك الاسباب المشكلة التي ذكرها سماحة آية الله المشكيني، وهي المشكلة المعيشية، حسنا حيث انكم ذكرتم لي هذه المشكلة فاني سأفكر في ايجاد حل لذلك لا اعدكم ان أوجد حلاً سهلاً وسريعا لها لأنني لم أفكر جدياً ومباشرة في الموضوع سابقاً.
نعم هناك مشروع الضمان الصحي لطلبة الحوزة، ان شاء الله سيبدأ نشاطه وسيستفيد منه الجميع أي كل من يرغب بذلك، فالضمان الصحي ضروري والتكاليف العلاجية واحدة من مصاعب الطلبة، وقد كنت ابتليت بها خلال فترة وجودي في الحوزة وأعلم ان الكثير مبتلى بها وهذه من المشاكل المهمة، والمشروع سيرى النور قريباً، وهناك مشروع آخر وهو التعاونية الاستهلاكية، والذي بدأ يشق طريقه وقد كلفت به البعض، والمشروع جاهز وهو الآن في طريقه للتنفيذ، وسأساهم بدفع رأس مال كبير له، على ان يشترك كل طالب به ايضاً، وان شاء الله ستكون تعاونية جيدة، توفر المواد الاستهلاكية، وسيكون قسم منها بسعر رخيص على أقل تقدير.
وفيما يتعلق بالسكن، هناك هيئة بدأت بنشاطها في هذا المجال، وقد قدمت مساعدة مالية متواضعة لهذا المشروع، ولديّ النية ان أقدم دائماً العون للمجمع السكني للطلبة. اضافة الى هذا سوف اجتمع ببعض الاصدقاء الذين لديهم المام بالوضع الحوزوي ولديهم نشاطات على هذا الصعيد، ونفكر في هذا الموضوع، وسأطلب منهم التحرك لحل المشكلة، وان شاء الله سوف تحل.
ولكن هذه مشكلة من مجموع مشاكل، وأأكد ان ذلك لا يعني ان المشكلة المعيشية للطلبة ستحل بهذه الاجراءات. الأمر ليس كذلك، لإنني أعلم ان الوضع المادي للطلبة سيء والراتب الشهري الذي تقدمه الحوزة لا يتجاوز (7) آلاف تومان، وأي طالب لديه عائلة مكونة من (3) أولاد يستطيع العيش بهذا المبلغ القليل؟ هذا دخل زهيد، هذا الطالب الذي نريد له يوما ان يكون نوراً مضيئا يشع بفكره على بلدنا والعالم، فالوضع المعيشي الصعب للطالب الحوزوي في يومنا هذا يشبه الى حد كبير الوضع المعيشي الصعب للشهيد الثاني الذي كان يجمع الحطب لتحصيل قوته اليومي، وذلك بمقايسة طبيعة المعيشة في تلك الايام مع أيامنا نحن، حيث هناك من يبلغ مدخوله اليومي (..1) ألف تومان، ومن يبلغ مدخوله الشهري (100) ألف تومان وهناك الكثير ممن لديه دخل مالي جيد ومعيشة جيدة، والراتب الشهري للطلبة (7) آلاف تومان وهذا أمر صعب جداً، ولكن المشكلة المعيشية هي واحدة من مشاكل عديدة تواجه الحوزة، وأريد ان اتحدث عن واحدة منها في هذا الاجتماع.