بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء المرسلين سيدنا ونبينا أبي القاسم محمد بن عبد الله وعلى آله الطيبين الطاهرين.
إن الوقوف أمام حدث كبير ونجاح متحقق ليس بالشيء البسيط وذلك من جهة الواقع ومن جهة القراءة أو الكتابة والبحث, أمام ثورة حققت انتصارا رفدته اسطر الكلمات على ورق التاريخ ثورة الحلم والأمل ثورة حملت العلم والعمل والفكر على يد المخلص المتفاني آية الله السيد الإمام الخميني(قدس سره), ثورة نبع منها ماء التحرر ليسقي ارض النفوس التي اشمأزت من حكم الطغاة لتنمو فيها زهور العطاء والخير والمعروف, نتاج وناتج وأثر ومؤثر ونتاج من الأثر الذي تركه الإمام(قدس سره) من خلال ما يحمل من الرؤية المتكاملة والشاملة على هذا الكون الرحب رؤية انبعثت من فيض الرسالة الإلهية التي تجسّدت من خلال المبادئ النبوية الشريفة لرسول البشرية محمد(صلى الله عليه وآله) والإقدام من ريحانته وفلذة كبده أبي الأحرار بثورته التي منها يستمد الأحرار رسالاتهم من اجل فك القيود والتخلص من الطغاة على مر التاريخ.
أن إقامة الجمهورية الإسلامية ليس بالأمر اليسير والسهل بل هو حدث سعى الاستعمار وقوى الاستكبار العالمي ( الشيطان الأكبر) للحيلولة دون وقوعه وحصوله طيلة مائتي عام، لكي يبرهن على أن زمن الإسلام قد ولّى، وأن الإسلام غير قادر على إدارة المجتمع وإقامة النظام السياسي.( )
ما الذي حصل في إيران:
في الحقيقة هناك قصة أتذكرها تروى عن الفيل والحبل وهي أن شخصا مرّ بحديقة الحيوان وحكى هذه القصة ...
فقال: كنت أفكر ذات يوم في حيوان الفيل، وفجأة استوقفتني فكرة حيرتني، وهي حقيقة أن هذه المخلوقات الضخمة قد تم تقييدها في حديقة الحيوان بواسطة حبل صغير يلف حول قدم الفيل الأمامية، فليس هناك سلاسل ضخمة ولا أقفاص، كان من الملاحظ جداً أن الفيل يستطيع وببساطة أن يتحرر من قيده في أي وقت يشاء، لكنه لسبب ما، لا يقدم على ذلك !
شاهدت مدرب الفيل بالقرب منه وسألته: لمَ تقف هذه الحيوانات الضخمة مكانها ولا تقوم بأي محاولة للهرب..؟
أجاب المدرب: حينما كانت هذه الحيوانات الضخمة حديثة الولادة وكانت أصغر بكثير مما هي عليه الآن، كنا نستخدم لها نفس حجم القيد الحالي لنربطها به. وكانت هذه القيود - في ذلك العمر- كافية لتقييدها، وتكبر هذه الحيوانات معتقدة أنها لا تزال غير قادرة على فك القيود والتحرر منها، بل تظل على اعتقاد أن الحبل لا يزال يقيدها، ولذلك هي لا تحاول أبداً أن تتحرر منه.
فيقول كنت مندهشاً جداً، هذه الحيوانات – التي تملك القوة لرفع أوزان هائلة - تستطيع وببساطة أن تتحرر من قيودها، لكنها اعتقدت أنها لا تستطع، فعَلِقت مكانها لهذا الوهم الذي غذيت به منذ الصغر ولسنين طويلة...!!
وهذا ما تفعله الحكومات الطاغية وقوى الاستكبار في العالم مع الشعوب لا سيما الشعوب المسلمة, وهذا طبعا لا يكون اعتباطا وبلا تخطيط بل أن الظلمة والطغاة يتخذوه كمنهج لإذلال الشعوب.
إلا أن الذي حصل في الجمهورية الإسلامية الإيرانية أن من الله عليها بمن يقودها نحو فك وتمزيق هذا القيد ورفع الوهم من عقول الشعب الإيراني فأثبتت الثورة لكل العالم وبقيادة آية الله العظمى السيد روح الله الخميني(قدس سره) أن إرادة الشعوب المؤمنة بالله أقوى من الطغاة الظلمة وهذه القوة منبثقة من الثقة بالله ومن الثقة بولي الله الذي أخرجهم من هاوية الشاه إلى بر السلام والإسلام والتحرر منتصرين بما نصروا الله حيث قال تعالى: (... إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ..)، إن هذا الفعل الصادر من الإمام(قدس سره) وإخلاصه مع الباري جعل حبّه يتغلغل في نفوس أبناء الأمّة الإسلامية في داخل إيران وخارجها ورفع تقديره واحترامه حتى عند مبغضيه، وهذا إنّما مبعثه، الإيمان بالله والإسلام والتمسك بهما والإخلاص لهما والتفاني في الخالق العظيم مما يجعل الكبار يتصاغرون أمامه, كما يتصاغر بمرور الأزمان كل من ذكر علي والحسين (عليهما سلام الله) فهذا الحفيد نهج من الأجداد.
حدث الثورة:
في(5/ حزيران/ 1964م) واجه النظام أعاصير الثورة في طول البلاد وعرضها؛ وبإيعاز من السلطة، استدعت المخابرات الإيرانية (السافاك) العلماء والخطباء في طهران وقالت لهم: "إننا لا نريد أن نقول لكم لا تنتقدوا الدولة إطلاقاً، ولا تتكلّموا نهائياً، ولا تتطرقوا إلى القضايا السياسية أبداً من فوق المنابر وفي المساجد، ولكننا نريد منكم تجنب أمور ثلاثة فقط:
1 ـ ما كان موجهاً ضد الشاه.
2 ـ وما كان ضد إسرائيل.
3 ـ والقول المستمر بأن الإسلام في خطر.
وعدا هذه، فالخوض والقول فيه مباح لكم.
ولما وصل الخبر إلى مسامع الإمام، تفضل سماحته بالقاء خطاب في يوم (3 حزيران) تناول فيه إسرائيل بما لا يقل عن (10) أسطر قال فيها: (إسرائيل لا ترغب في وجود القرآن في هذه المملكة، إسرائيل لا تريد رجال الدين في هذه المملكة، وإنها لا تريد إلا القضاء على المسلمين في هذه المملكة، وتريد الهلاك والدمار لهذا الشعب، وتريد أن تشلّ الزراعة وتقضي على التجارة). ثم توجه بخطابه إلى الشاه قائلاً: (أيها المسكين! التعس الحظ، لقد انقضى من عمرك 45 عاماً، فتأمل قليلاً وتدبر أمرك. أنا أحذرك من أن تصل إلى مصيرك السيّئ عندما يتخلى عنك أولياء أمرك وأرباب نعمتك، ويطيحوا بك، وآنذاك يحتفل الشعب ويعلن فرحته بسقوطك) ( ).
فبعد هذا الخطاب استمرت الحركات والثورات والانتفاضات وخطابات العلماء الى ان قرب موعد النصر ففي شهر شباط (يناير) 1979م، أطاح الثوار بصنم قلّ نظيره في التاريخ وانتصرت الثورة الإسلامية بقيادة آية الله العظمى السيد روح الله الخميني(قدس سره) في إيران، بعد أن وقف الجيش الإمبراطوري عاجزا أمام الزحف الشعبي الذي تجمع بالملايين، نساء ورجالا شيوخا وشبابا صغارا وكبار, لا يحملون سلاحا، وفي قبالهم الجيش الذي كان يملك كل أنواع الأسلحة خفيفها وثقيلها، برّيّها وجويّها، وكانت الاوامر للجيش ان يضرب بقوة، وأن يقتل من يشاء، ولا يخشى عقابا ولا حسابا...!
إلا أن الجيش ـ مهما تكن قسوته وجبروته سلطته وسطوته ـ فهو مكون من جزء من هذا الشعب، ولا يقدم جيش ما بطبيعة الحال أن يستمر بقتل أهله وإخوانه وأبناءه زمنا طويلا، فلا عجب أن توقف الجيش عن مقاتلة الشعب، ومقاومة الشعب الذي وجهه قائده أن يرمي بالورود إلى الجيش فلاحظ الجيش هذا التعاطف النابع من الشعور برابطة الإنسانية رابطة الأخ مع أخيه وشراكته في الوطن والتضحية من اجله مما أدى إلى تراجع الكثير من الجيش وانقلبوا ضد الطاغية.
وأعلن عن سقوط نظام الشاة (رضا بهلوي) وعن انتصار الثورة الإسلامية بقيادة الإمام الخميني(قدس سره)، التي سماها بعضهم (ثورة الكاسيت). فقد كان الإمام الخميني(قدس سره) منفيا في الخارج، ومقيما في (باريس)، ومن هناك يرسل رسائله إلى الشعب الإيراني في الداخل عن طريق الأشرطة لتعمل عملها في تهيئة الأفكار، وإيقاظ الضمائر، وتحريك المشاعر، وإلهاب العواطف، حتى تهيأت الثورة الشعبية العارمة، التي تمضي في طريق التغيير، ولا يقف دونها شيء.
سمة الشخصية والمرجعية:
أجتمع في السيد روح الله الخميني(قدس سره) سمات ومن أهما والتي كانت جاذبة للناس إليه سمتان وهما:
أولاً: السمة الأولى سمة شخصية الإمام الخميني(قدس سره): والتي اتسمت بالروحانية والبعد الديني العلمائي. ذلك أن علماء الدين في مجتمعنا (المجتمع الشيعي) يحظون بمكانه خاصة، و قد أدرك الناس بالفعل والتجربة أن هذه الفئة كانت ولا تزال في مقدمة المدافعين عن المظلومين ومقارعه الظالمين. وان أبناء الشعب يعون جيداً أن النهضة في إيران ما كان لها أن تكون، لو لم يتعهد علماء الدين قيادتها، ولو لم يكن لهم دور مؤثر فيها. وبالتالي فان مثل هذه الخصوصية ساعدت في كسب ثقة الناس واطمئنانهم، ومن ثم اعتبار علماء الدين ملجئاً وملاذاً لهم، وعليه فان العامل الأول الذي اعدّ الأرضية لقيادة سماحة الإمام الخميني (قدس سره) هو شخصيته الدينية ـ العلمائية.
ثانياً: السمة الثانية هي سمة المرجعية: فالمرجع في نظر الشيعة يقوم مقام الإمام المعصوم(عليه السلام)، ويعد حكمه بمثابة حكم الرسول والأئمة من أهل بيته(صلوات الله عليهم) .. وان أبناء الشعب الإيراني المسلم يمارسون نشاطهم الاجتماعي والسياسي على ضوء التكليف الشرعي، وعبر هذا الطريق يوصلوا دنياهم بآخرتهم. ومن هنا فهم غير مستعدين لوضع مصيرهم تحت اختبار قائد سياسي لا ديني، لأنهم يدركون تماماً أن دنياهم تكتسب بُعدها الشرعي في إطار مبدأ الاجتهاد ونظرية ولاية الفقيه.
العوامل المساعدة في نجاح الثورة:
وقد ساعد على نجاح سماحة الإمام(قدس سره) في ثورته عدة أمور:
أولها: أن الشاه قد بلغ من الطغيان والفساد مبلغا عظيما، فمن الناحية الداخلية باتت إيران مظهرا للانحلال والتفسخ، من الناحية الأخلاقية، وللتمايز والتفاوت المستنكر من الناحية الاقتصادية ما بين ثراء فاحش وفقر مدقع، رغم ما يملك البلد من ثروات كبيرة - نفطية وزراعية وسياحية - وغيرها، ومع هذا وجد فيها المعدمون الذين لا يجدون ما يأكلون.
فمن الناحية السياسية: غدا الشاه الدكتاتور الأعظم، وأمست الحريات العامة في إجازة، وجهاز السافاك (الاستخبارات) مطلق اليد، في انتهاك الحريات، واقتياد من شاء إلى السجون والمعتقلات بلا رقيب ولا حسيب. وباتت سيرة الشاه الشخصية وسيرة أسرته محلا للتندر والتعليق، وآية للبذخ والاستهتار.
ومن الناحية الخارجية: أصبح الشاه ودولته شرطي أمريكا في الشرق الأوسط، وأصبحت لإيران علاقات مكشوفة بدولة الكيان الصهيوني، فضلا عما نسب إليه من الولاء للبهائية وغيرها.
وإذا بلغ بلد من الطغيان هذا المبلغ، فهذا مؤذن بنهايته، وفق سنة الله التي لا تتخلف مع {الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلاَدِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} (الفجر:11-14)
ثانيها: أن الشعب قد غلا مرجله، واشتد حنقه وسخطه على نظام الشاه، فقد بلغ السيل الزبى، ولم يكن يحتاج إلا إلى القائد الذي يلتف حوله، ويمضي تحت رايته بقوة جسارة، وقد وجد ضالته في الإمام الخميني(قدس سره) الذي استطاع بجدارة أن يجمع الشعب من ورائه، ويعبئه نفسيا وعاطفيا، لينطلق كالسيل العرم، لا يقف في سبيله شيء، ولو كان الجيش بكل أسلحته، والسافاك بكل جبروته. وصدق الشاعر التونسي أبو القاسم الشابّي حين قال:
إذا الشعب يوما أراد الحياة ... فلا بد أن يستجيب القدر!
ولا بـد لليل أن ينجلـي ... ولا بد للقيـد أن ينكسـر!
ومما أيد الشعب وأنجح إرادته: أنه وجد القائد المناسب للمرحلة، الذي أجمعت عليه كل القوى الشعبية. ومن النادر أن يتحقق مثل هذا.
ثالثها: أن الظروف الدولية كانت مهيأة لاستقبال الثورة في إيران، فقد أضحى الشاه (ورقة محترقة) كما يعبرون اليوم، ليس هناك من يتشبث ببقائه، ولا من يبكي عليه إذا ذهب، ومثل هذا المخلوق لا تحرص عليه القوى الكبرى، ولا تكلف نفسها الدفاع عنه. وقد عرف من سياسة هذه القوى ـ أو من فلسفتها السياسية ـ أنها ليس لها صديق دائم، ولا عدو دائم، فهي تصادق وتعادي، وتسالم وتحارب، تبعا لمصلحتها، فصديق الأمس قد يصبح عدو اليوم، وكذلك عدو اليوم قد يصبح صديق الأمس. والدنيا دول، والدهر قلب، (...وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ...) ( ) فلا غرو أن تتخلى أمريكا صراحة عن الشاه صديقها الحميم، وشرطيها القديم، فلم يعد ينفعها اليوم، وقد انتهى دوره، ولكل مقام مقال، ولكل زمان رجال.
أثر المذهب الشيعي:
مما لا ينبغي أن ينازع فيه: أن طبيعة المذهب الجعفري الشيعي، أن يمنح علماء الدين ـ وبخاصة (المراجع والمجتهدين) ـ فيه قوة مادية ومعنوية، لا يتوافر مثلها لأهل مذهب آخر، لا سيّما في هذا العصر.
فالشيعي المتدين يجب أن يرتبط بمرجع ديني، يستفتيه ويسترشده في الملمات، ويعطيه (الحقوق المترتبة عليه كالخمس( الواجب على كل شيعي، وهو بمثابة (ضريبة على صافي الدخل) بنسبة 20% بعد اقتطاع النفقات اللازمة للشخص ولمن يعوله. وهذه الضريبة يفترض أن تؤدى للإمام المعصوم(عليه السلام). أما وهو غائب، فإنها تعطى لمن ينوب عن الإمام(أرواحنا له الفداء) من العلماء والمراجع الدينية. فهذه قوة مادية مالية تشد أزر علماء الشيعة، وتغنيهم عن وظائف الدولة التي قد تتحكم فيهم، وتقيد حركتهم بسبب وظيفتهم. وهو ما وقع فيه أهل السنة، حيث صاروا موظفين في الدولة، ورزقهم بيد السلطة، حتى أكبر مناصبهم مثل شيخ الأزهر والمفتي ورئيس القضاء الشرعي وأمثالهم، كلهم موظفون عند الحكومة، هي التي توليهم، وهي التي تعزلهم إن شاءت، وهي التي توسع لهم أو تقتر عليهم.
وقد سأل أحد ولاة بني أمية عن سر قوة الإمام الحسن البصري في نقد الأمراء والولاة، فقال: إنه رجل احتاج الناس إلى دينه، واستغنى هو عن دنياهم! إذ كان للحسن أملاك خاصة تدر عليه دخلا لا يحوجه إلى أحد.
والمشكلة الآن تتجلى وتتجسد، حين يكون العالم والفقيه الكبير محتاجا إلى دنيا الأمراء والحكام، على حين نجد الأمراء والحكام مستغنين عن دينه وعلمه، فلم يعد يعنيهم أمر الدين..!
فهذا هو الجانب المادي الذي يوفره المذهب الجعفري للعلماء أو الآيات أو المراجع الدينية.
أما الجانب المعنوي فهو ما يتمتع به المراجع الكرام من سلطة روحية وقوية، وهي سلطة أساسها الالتزام الديني، ينصاع لها المرء طائعا مختارا، معتقدا أنه يتقرب بذلك إلى الله سبحانه.
فالمرجع الديني في نظره ممثل للإمام المعصوم الغائب(عجل الله فرجه)، وطاعته طاعة لهذا الإمام، الذي تعد طاعته من طاعة الله ورسوله وأولي الأمر الذين فرض الله، فهي إذن طاعة مطلقة.
وعلى هذا يكون لعلماء المسلمين فضلهم ومكانتهم، وهم الذين يرجع إليهم في أمر الدين، وأحكام الشرع، وطاعتهم فيما يفتون به ويرشدون إليه واجبة إلا إذا اختلفوا، فيتخيرون من أقوالهم ما هو أرجح دليلا، وأهدى سبيلا.
سر النصر:
ولنا ان نأخذ ممن قاد هذه الثورة واوصلها الى طريق الانتصار فهو يتحدث عن سر انتصارها وهو اعلم بها (قدس سره) فيقول: (... سرّ انتصارنا يكمن في أن نهضتنا لم تكن سياسية فقط أو لإنقاذ النفط من التبعية فحسب وإنما كانت تمتلك بعداً معنوياً إسلامياً، شبابنا كانوا يتمنون الشهادة ويستقبلونها تماماً كما كان المسلمون في صدر الإسلام) ( )
الهدية الغيبية:
وبكلماته (قدس سره) يعبر عن الهدية وسر انتصار الثورة معتبرها هدية غيبية ومنحة من قبل الباري جل وعلا قائلا: (إن هذه الهدية الغيبية، وهذه الحرية، وهذا الخلاص من تحكم الظالمين، وهذا الاستقلال الذي منحنا الله - تبارك وتعالى - حيث ألقت يد العناية الإلهية على رؤوس هذا الشعب ظلّها، وحقّقت هذا النصر، فلتحفظوا هذه الهدية الإلهية)( )
اشتداد ظلم الطغاة وتصاعد الهجوم الاستعماري:
إنّ هذا العامل عندما يتصاعد، وبالخصوص عندما يتصاعد الإحساس الشعبي بهذا الظلم، يترك أثره في تحريك الجماهير نحو الغالي والرخيص للخلاص منه وتحقيق التغيير الاجتماعي المطلوب.
يقول الإمام الخميني(قدس سره) في جوابه عن رسالة الرئيس الليبي أواخر عام 1977م:
(إن الشعب الإيراني وبعد انقضاء المراحل الزمنية السود الملئا بالعنف وبعد تحمل أزمنة مرعبة، وفقدان الاستقلال، وضياع الشعائر الإسلامية والوطنية على أيدي الجناة الذي تقف على رأسهم عائلة بهلوي المجرمة، وبعد مشاهدة كل ذلك السلب والنهب، وأنماط الخيانة اللامتناهية للمقدسات الدينية والوطنية، والذخائر الوطنية العظمى وفي طليعتها القوى الإنسانية والتراث الثقافي، هذا الشعب ـ وبمشيئة الله تعالى وتوكله على الإسلام والقرآن ـ عاد إلى ذاته وراح من خلال نهضته الإسلامية يتقدم كسيلٍ عارم لتحطيم السدود الكبرى للاستعمار والاستبداد...)( )
ويأتي دور الأخلاق الفاضلة الإنسانية والشجاعة الحقة من صرخة اتسمت بالإيمان لتقطع دابر الظلم والفساد يقول الإمام الخميني(قدس سره) (إن أحد العوامل التي حققت لكم النصر؛ هذا التصاعد في الظلم والإرهاب. ذلك إن الرعب والإرهاب عندما يطغى فإن الانفجار سيتبعه، ويتجمع الحقد الشعبي لتطلقه صرخة شجاعة، وفي إيران تجمعت هذه العقد النفسية وحصل الانفجار، والأهم من كل ذلك إن هذا الانفجار رافقه اتجاه نحو الإسلام، ولقد كانت صرخة الإيمان هي انطلاقه هذا التحرك)( ).
كربلاء تعانق نصر الثورة:
ثورة الإمام الحسين(عليه السلام) عطاء مستمر ودائم، على مختلف العصور والدهور والأجيال، فهي بمثابة المشعل الذي ينير الدرب للثائرين، في سبيل رسالة زرعت في نفوس العالمين بذرة التحرر, وكل الثورات التي تريد الانتصار لا بد أن تستمد نهجها من ثورة الإمام الحسين(عليه السلام) ثورة ضد الظلم والطغيان ولأجل إصلاح الأمم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وهذا كله بفضل سيد الشهداء(عليه السلام) الذي لولاه لما قامت هذه النهضة الإسلامية الحديثة ولما انتصرت، فالحسين(عليه السلام) حاضر في كل مكان وآثار نهضته مشهودة ( فكل أرض كربلاء وكل يوم عاشوراء )( )
وإن كانت الشهادة على المستوى الفردي للمؤمن فوزاً عظيماً فإن شهادة الإمام الحسين(عليه السلام) وأهل بيته(عليهم السلام) وأصحابه في كربلاء - مع ما صاحبها من أحداث وظروف ولا بسها من ظلم وتضحيات وصبر لا يطيقه أحد فضلاً عن النية الطاهرة والمخلصة لهؤلاء الأطهار يجعل من تلك الشهادات - أرفع وأرقى شهادة في تاريخ الإنسانية جمعا، وكفي دليلاً على هذا أن الإمام الحسين(عليه السلام) بات سيد شباب أهل الجنة وسيد الشهداء وباقي الشهداء أصبحوا سادة الشهداء من الأولين والآخرين. هذا على المستوى الشخصي للشهادة.
أما على مستوى الأثر العام فإن كانت شهادة كوكبة من مؤمني عصرٍ ما تدفع البلاء عن أهل ذلك العصر فإن شهادة الإمام الحسين(عليه السلام) والكوكبة المضحيّة معه في كربلاء انتصرت للحق في حاضره والمستقبل وهزمت الباطل كذلك وخطت للأحرار دربا وأشادت للدين صرحاً إلى قيام الساعة.
فإذا أردنا أن نختصر الكلام عن النصر في فكر الإمام الخميني بكل الأبعاد، يمكن أن نقول أنه نصرُ كربلاء، لذلك نرى مناسباً أن نترك القلم هنا ليغرف من حبر فكر الإمام الخميني الحسيني الكربلائي العاشورائي يحدثنا عن انتصار الدم الحسيني على الظلم والطغيان مدى الأزمان حيث يقول(قدس سره):
• محرم هو الشهر الذي انتفضت فيه العدالة لمواجهة الظلم، وقام فيه الحق لمواجهة الباطل، فأثبت أن الحق منتصر على الباطل على مرّ التاريخ( ).
• إن الذي صان الإسلام وأبقاه حياً حتى وصل إلينا هو الإمام الحسين(عليه السلام) الذي ضحى بكل ما يملك وقدم الغالي والنفيس، وضحى بالشباب والأصحاب من أهله وأنصاره في سبيل الله عزّ وجل، ونهض من أجل رفعة الإسلام ومعارضة الظلم. لقد ثار الحسين(عليه السلام) بوجه تلك الإمبراطورية التي كانت أقوى الإمبراطوريات القائمة آنذاك في هذه المنطقة، بعدد قليل من الأنصار، فانتصر وكان الغالب رغم استشهاده هو وجميع من معه( ).
• عاشوراء هو يوم الحداد العام للشعب المظلوم، ويوم الملحمة، ويوم الولادة الثانية للإسلام والمسلمين( ).
أسباب النصر عند الإمام(قدس سره):
عندما نتأمل في خطب الإمام الخميني(قدس سره)، وكلماته التي كان يعبر بها عن انتصار الثورة الإسلامية في إيران، يمكن لنا أن نستنتج منها الأسباب التي أدت إلى الانتصار العظيم للثورة الإسلامية، ومما لا شك فيه أن هذه الأسباب لا تختص بشعب إيران المسلم، بل يمكن تعميمها على كل شعب مسلم أيضاً إذا أخذ بها كونها مأخوذة من الشريعة الإسلامية، وفضل الإمام في هذا المجال أنه نفض الغبار عنها، وقاد الشعب من خلال قناعاته بها، فتحقق ذلك الإنجاز العظيم على يديه. ويمكن بتتبع كلمات الإمام(قدس سره) أن نحدد الأسباب التالية:
أولاً: الإيمان بالغيب: وهذا ما نراه جلياً في كلمات الإمام رضوان الله عليه، ويقول (إن تقدم هكذا ثورة بيد خالية وانتصارها على هكذا نظام وحشي تحميه قوى الاستكبار إنما كان أمراً غيبياً، فلا يصيبنا الغرور فنعتقد أننا نحن الذين أحرزناه)( ).
ثانياً: المبادئ الإسلامية: أن سبب نهوض الشعب وقيامه لم يكن بسبب مسائل سياسية أو اقتصادية كالنفط والوضع المعيشي السيئ، وإنما كانت ثورة من أجل الإسلام بما يحويه من قيم ومبادئ تمثل الإنسانية بأروع صورها الجميلة والمشرقة، ويقول(قدس سره): إن سر انتصارنا يكمن في أن ثورتنا لم تكن سياسية فقط، ولم تكن من أجل النفط، بل كان لثورتنا ناحية إسلامية ومعنوية محضة.
ثالثاً: اتحاد القوى الشعبية: حيث يعتبر الإمام(قدس سره) أن اتحاد مختلف قوى الشعب كان سبباً رئيساً للانتصار، باعتبار أن هذا الاتحاد يشكل عقبة في وجه السلطة إذا ما حاولت أن تشتت تلك الوحدة عبر استمالة بعض فئات المجتمع بإغراءات أو تهديدات محددة، فيقول(قدس سره) (... واجتماع الشعب في جميع أنحاء البلاد مع وحدة الكلمة من أجل ذلك الدافع وذلك الهدف...). ويعتبر أن الاستمرار في الثورة التي انتصرت لا يمكن بدون قيام كل الشعب بفئاته المختلفة بواجباته تجاه الثورة من خلال العمل والسعي حيث يقول(قدس سره) (إذا أراد شعبنا الشريف أن ينتصر في هذه الثورة فعليه أن يشمّر عن ساعده ويبادر إلى العمل من داخل الجامعات إلى الأسواق والمعامل والمزارع والحقول حتى الوصول إلى الاكتفاء الذاتي والوقوف على قدميه).
سلاح الشهادة:
أو يمكن أن نقول أمنية الشهادة، يقول (قدس سره) ( شعبنا عاشق للشهادة، وبعشق الشهادة هذا انتصرت الثورة )( ).وهذا السلاح يعتبره الإمام(قدس سره) من أهم الأسباب للانتصار، لأن النهوض لابد أن يستلزم دفع ثمن للخلاص من طغيان وجبروت الحكام الظالمين وداعميهم من المستكبرين، وهذا السلاح هو المخيف دوماً، لان الظالم يخيف الناس بالقتل والموت، فإذا تجاوزت الجماهير هذا الخوف وأبدت كامل استعدادها للقتل والموت في سبيل المبادئ والأهداف المؤمنة بها، فلن يبقى بيد الظالم سلاح أقوى يُسْكِتُ به الثائرين، فيقول الإمام(قدس سره) (... فقد كان شبابنا كما كان المسلمون في صدر الإسلام يتمنّون الشهادة ويستقبلونها، لقد كان شبابنا يعتبرون الشهادة سعادة. سر الانتصار يكمن في الاعتماد على القرآن والشهادة التي هي طريق مقدس، ولذلك انتصر شبابنا في الوقت الذي كانوا يواجهون الدبابات بأيد خالية، لقد انتصرت القبضة على الرشاش)( ).
فالشهادة في سبيل الله دفاعاً عن الأوطان والكرامات والمقدسات هي السلاح الأقوى الذي يقف في وجه أعتا الجيوش والقوى، فمن طلب العز والدين والحرية والكرامة والأمن والسلامة والوطن لابد له أن يبذل الدم والنفس والروح ومن طلب النصر فلابد له من أن يستعد للشهادة، وهذه معادلة وسنّة إلهية في خلقه لا تختص بالمؤمنين بالله فقط بل بكل بني الإنسان، إن المؤمنين بالله يملكون من خلال معنى الشهادة الراقي - الذي اختص بهم - يملكون الحافز والدافع الإضافي والأعظم للاستعداد للشهادة طلباً للحياة الكريمة والمصونة من ذل الاحتلال والاستعباد والتسلط وهيمنة أهل الدنيا والطواغيت الكبار والصغار.
وبهذا السلاح تتكسر المعادلات وتختل الموازين وينتصر الدم على السيف لأن أقصى ما يمكن للعدو فعله بعد التهديد بالقتل هو القتل عينه، فكيف يخاف من كان القتل في سبيل الله أمنيته ومبتغاه. لذلك فإن امتشاق سلاح الشهادة يفقد الأسلحة المادية كل تأثيراتها فلا يعود لها أي قيمة رغم قوتها وجبروتها وقدرتها التدميرية.
لقد تعرف الإمام الخميني رضوان الله عليه على هذا السلاح باكراً جداً فهو الإمام الذي أعدَّ نفسه للشهادة منذ اليوم الأول لمواجهته لطغيان الشاه، كما عمل على إعداد شعبه والمسلمين للتزود بهذا السلاح الشريف والعزيز، سلاح الشهادة والقتل في سبيل الله، فانتصر الإمام وشعبه بهذا السلاح، بل وصدَّره للشعوب والأمم التي لا زالت تنتصر كل يوم في لبنان وفلسطين بسلاح عشق الشهادة ورفض الحياة الذليلة السوداء تحت نير الاحتلال الغاشم.( ) وهو(قدس سره) القائل: ( إن الشعب الذي يعتبر الشهادة سعادة، شعب منتصر لا محال )( ).
الجهاد الأكبر:
عن النبي (صلى الله عليه وآله) إنه قال: ( المجاهد من جاهد نفسه في الله)( ). أن تربية النفس وجهادها والانتصار عليها قد احتل حيزاً هاماً في فكر ومواعظ إمامنا الخميني رضوان الله تعالى عليه حتى إنه أفرد مؤلفاً أسماه (الجهاد الأكبر)، هذا فضلاً عن الكتب والمحاضرات التي شحنت بنفسه الطاهر وهو ينبه ويرشد ويعظ المؤمنين ويحثهم على كسب هذه المعركة الهامة بل الفوز في نهاية هذا الصراع الطويل كي يحقق المؤمن أقصى الآمال وغاية المنى وتفتح له كل الطرق أمام جميع الانتصارات المادية والمعنوية. والإمام في طي مواعظه يرشدنا إلى مجموعة من الأسلحة تعد أساساً في هذا الصراع ليكتب في منتهاه بإذن الله، وهي:
الانتصار العالمي:
يقول رضوان الله عليه: (إن النصر النهائي يكمن في انتصار جميع المستضعفين على جميع المستكبرين)( )
وهذا النصر النهائي على مستوى العالم يتحقق بحسب فكر الإمام رضوان الله عليه عند ظهور دولة صاحب الزمان عجل الله فرجه الشريف التي وعدنا على لسان القرآن والروايات بأنها ستحقق العدالة الشاملة على مستوى العالم وستظهر الدين على الدين كله وتمحق دول الكفر والشرك والظلم إلى الأبد.
والإمام لا ينظر إلى ذاك الزمان بشكل أسطوري أو خيالي بعيد عن الواقع بل بما هو نتيجة لجهاد المجاهدين وكفاح ملايين أفراد الأمة عبر العصور.
فالإمام(قدس سره) ينظر إلى الثورة الإسلامية المباركة في إيران على أنها نقطة بداية للثورة الكبرى تلك. يقول رضوان الله عليه: (إن ثورة الشعب الإيراني هي نقطة البداية للثورة في العالم الإسلامي تحت راية الحجة المهدي(عليه السلام) أرواحنا فداه)(2).
إن هذه العبارة بالإضافة إلى بيانها للنصر النهائي العام على يد صاحب الزمان أرواحنا له الفداء تربط أيضاً ما بين الثورة الإسلامية في هذا العصر وثورة الإمام المهدي(عجل الله فرجه)، والحق يقال إن الأحداث العظيمة والهائلة والمتتالية وكذلك المتغيرات الكبيرة على المستوى الفردي الاجتماعي بعد مرور حوالي ربع قرن من عمر الثورة الإسلامية في إيران تُزيد المتابع قناعة بكلام الإمام الخميني(قدس سره) الملهِم، لاسيّما ما حصل من انتصار المقاومة الإسلامية في لبنان على (إسرائيل)، هذا الانتصار الذي حوّل حزب الله إلى رائد للأمة الإسلامية يأخذ بيدها نحو الخير والفلاح، وما يحصل في فلسطين اليوم من مقاومة وانتفاضة ليس سوى دليل على ما نقول. نسأل الله تعالى أن لا تطول الفاصلة الزمنية بين نقطة البداية ويوم حدوث الثورة الكبرى على يد صاحب الزمان(عجل الله فرجه).
الإنتصار الحقيقي:
إن النصر والهزيمة لا ينبعان من فراغ بل هما تابعان لهدف الإنسان والقدرة على تحقيق هذا الهدف، فبحسب الهدف الذي يرسمه الإنسان وقدرته على تحقيقه يكون النصر أو الهزيمة، فالحصول على أمر ما قد يكون نصراً لشخصٍ، وهو بعينه هزيمة لشخص آخر، فالتاجر الصغير الذي يهدف إلى ربح مائة ـ مثلاً ـ إذا ربحها يكون هذا نصراً بالنسبة له، وأما التاجر الكبير الذي يهدف إلى ربع ألف ـ مثلاً ـ إذا لم يربح إلا مائة يعتبر هذا هزيمة بالنسبة إليه وليس نصراً.
فمن خلال معرفة الأهداف التي رسمها الإنسان لنفسه يتم تحديد انتصاره أو هزيمته، إلا أن مما لا بد من التمعن فيه هو أن النصر الحقيقي لا يكون إلا من خلال تحقيق الأهداف الصحيحة والحقيقة، وأما الأهداف الزائفة فلا تولد إلا نصراً زائفاً.
الإنتصار المعنوي:
إن الحالة المعنوية تعتبر أساساً في نجاح أي عمل يريد أن يقوم به الإنسان، ولها دور أساسي في الحروب في النصر أو الهزيمة، لذلك تعتبر الحرب المعنوية جزءً أساسياً في أي حرب تنشأ بين الناس، والمجتمع الذي يصاب بالإحباط أو اليأس لا يمكن أن يكون منتصراً ولو كان الأكثر عدداً والأعظم عدة.
والمجتمع الذي يملك روحية الشهادة لا يمكن أن يتسلل إليه الإحباط أبداً، والسبب في ذلك أن الإحباط ناتج عن العجز وعدم القدرة على تحقيق الأهداف، فإذا كانت الأهداف دنيوية فمن الممكن أن يصاب الإنسان بالإحباط إذا لم تصل يداه لهذا الهدف ووجد أنه يُقتل ويضعف. ولكن إذا كان الهدف النهائي هو لقاء الله تعالى والالتحاق بركب الصديقين والشهداء، فالقتل سيكون تحققاً للهدف، وبالتالي لا يمكن أن يولّد إلا اندفاعاً وقوة وإصراراً، ولا يجد الإحباط له مكاناً في مجتمع الشهداء والأحياء.
يقول الإمام الخميني(قدس سره): (منطقنا ومنطق شعبنا ومنطق المؤمنين هو القرآن الكريم ( ..إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)( )، ولا يستطيع أحد مقابلة هذا المنطق، لا يستطيع أحد الوقوف في وجه شعب يحسب نفسه من الله وإلى الله وكل ما يملكه لله ويعتبر موته حركة نحو المحبوب والمطلوب)( ).
النصر بنداء (الله أكبر):
يقول الإمام(قدس سره): (ببركة الإسلام، وبالتعلق به، وبنداء _الله أكبر_ تحقق النصر لثورتنا), ويقول(قدس سره) (إنّ هذا النصر لم يكن بسببي، فلست سوى طالب علم، ولا ينبغي أن تنسبوا النصر لي، كما أنّ هذا النصر لم يكن بسبب الشعب أيضا، إنّه نصر الله), ويقول (قدس سره) (لقد تمكنتم يا أبناء الشعب الإيراني المجيد من تحقيق النصر في مواجهتكم المستعمرين والناهبين، والتغلب على طاغوت الزمان وإدخال الذعر في قلوب القوى الكبرى، وذلك بالاتكال على الله تعالى وتوحيد الكلمة ومشاركة مختلف الفئات..).
ثورة المرأة:
كان للمرأة المسلمة دوراً أساسياً في النهضة الإسلامية المباركة، من بداياتها، وواكبت هذه النهضة ودعمتها بكل ما تملك حتى وصلت للنصر، فكان النصر نتيجة بطولات وتضحيات المرأة المسلمة. يقول الإمام الخميني(قدس سره) مؤكداً ذلك: (أنتن أيتها النساء الأبطال، كنتن وما زلتن في طليعة هذا النصر)(المراة في فكر الإمام الخميني من حديث في جمع من أعضاء مجلس الشورى بتاريخ 19/3/1981.).
ولم تكن المرأة في المواقع الخلفية للمواجهة بل كانت دائماً سباقة وفي الطليعة: (لقد أثبتن أيتها النساء أنكن دائماً في الصفوف الأمامية، وأنكن سباقات على الرجال، وأن الرجال يستلهمون عزيمتهم منكن... إن رجال إيران استلهموا بطولاتهم من النساء وتعلموا منهن، كما استلهم رجال قم أيضاً عزيمتهم منكن أيتها النساء العزيزات واقتدوا بشجاعتكن)( من حديث في جمع من نساء قم بتاريخ 6/3/1979)، فجهود النساء كبيرة والثورة لها مدينة كما قال(قدس سره) (إن هذا الانتصار الذي تحقق لنا مدين لجهود النساء قبل الرجال إذ كانت نساؤنا في الصفوف الأمامية)( ).
ولم تكتف المرأة بدورها المباشر بل كان لها دور المحفز للرجل ليؤدي دوره في هذه النهضة: (نحن نعتبر نهضتنا مدينة للنساء، كان الرجال ينزلون إلى الشارع إقتداءً بالنساء وهن حفزن الرجال، وكان في طليعة النهضة. إن مثل هذه المرأة بإمكانها أن تنتصر على قوة شيطانية عتيدة)( ).
عبر ودروس:
استمد الإمام الخميني(قدس سره) من حركة سيد الشهداء أبي عبد الله عليه السلام العبر والمواعظ والدروس فكان مقتفيا لآثارهم (صلوات الله عليهم) وموجها الشعوب والعالم إلى هذا الكنز الذي لا نفاد فيه لأنه من الباري غير التناه فكان يقول(قدس سره): (لقد أفهمَنا سيد الشهداء وأهل بيته(عليهم السلام) وأصحابه أن على النساء والرجال ألا يخافوا في مواجهة حكومة الجور، فقد وقفت زينب(عليها السلام) في مقابل يزيد (لعنه الله) ـ وفي مجلسه ـ وصرخت بوجهه وأهانته وأشبعته تحقيراً لم يتعرض له جميع بني أمية في حياتهم؛ كما أنها (عليها السلام) والسجاد(عليه السلام) تحدثا وخطبا في الناس أثناء الطريق وفي الكوفة والشام، فقد ارتقى الإمام السجاد(عليه السلام) المنبر وأوضح حقيقية القضية وأكد أن الأمر ليس قياماً لأتباع الباطل بوجه الحق، وأشار إلى أن الأعداء قد شوهوا سمعتهم وحاولوا أن يتهموا الحسين(عليه السلام) بالخروج على الحكومة القائمة وعلى خليفة رسول الله(صلى الله عليه وآله)..! لقد أعلن الإمام السجاد الحقيقة بصراحة على رؤوس الأشهاد وهكذا فعلت زينب(عليها السلام) أيضاً)، ويقول(قدس سره): (لقد علّم(عليه السلام) الناس أن لا يخشو قلة العدد...)، فكان نهج الإمام الخميني(قدس سره) هو نهج أجداده الكرام ونهج الله من السماء من الحق المتعال.
والحمد لله رب العالمين