قال تبارك وتعالى في محكم كتابه العزيز: ( (وفوق كلّ ذي علم عليم)) فللتخصص العلمي مزايا وثمار كثيرة ومهمة في تقدم العلم وابتكار التكلونوجيا والابداع في مختلف الفروع العلمية، فطالب العلم حينما يستمر في دراسة جميع العلوم ولا يتخصص في نوع منها غالبا ما لا يستطيع اتقان تلك العلوم وحينئذ لا يمكنه ان يبدع او يبتكر او يطور شيئا جديدا في الساحة العلمية، فعلى سبيل المثال لا الحصر لو درس احد الطلبة علم الطب وعلم الهندسة وعلم الرياضيات وعلم الفيزياء وعلم الكيمياء في آن واحد فغالبا ما يتعذر عليه اتقان تلك العلوم المتنوعة لكنه لو تخصص في دراسة علم الطب فإنه حينئذ يستطيع ان يتقن ذلك العلم، بل لا يكفي التخصص في نوع العلم فحسب بل لابد من التخصص أكثر في فروع العلم الواحد كأن يتخصص بعض طلبة الطب في الباطنية وبعضهم في الجلدية وكذلك يتخصص بعض طلبة علم الهندسة في فرع الهندسة المدنية او الهندسة الكهربائية فإنهم بمقدورهم اذا ما اجتهدوا ان يتقنوا تلك الاختصاصات العلمية وان يبدعوا..، فإذن يترتب على التخصص العلمي اتقان العلم والابداع والابتكار العلمي وحينئذ يترتب على إثر ذلك نفع المجتمع الإنساني بأسره في مختلف مجلات الحياة.
وفي الإسلام كان الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام هو الذي اسس التخصص العلمي وحثّ عليه حيث تخصص طلبته بعلوم مختلفة لكي يرسم للأجيال القادمة في مختلف بقاع الارض لوحة التخصص في العلم بأبهى صورها وتدوين موسوعة التخصص العلمي في عالم المكتبات الفكرية ليتسنى للإنسان بناء نفسه وبناء اسرته ومجتمعه، فالمجتمع يحتاج بعضه الى بعض فالفقيه يحتاج الى الطبيب والطبيب يحتاج الى المهندس والمهندس يحتاج الى المعلم والمدرس ليعلم اولاده ولذا تجد ان التخصص العلمي الذي اسسه وشجع وحث عليه الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام يتكفل بسد حاجة المجتمع الإنساني على جميع الاصعدة وفي مختلف مجالات الحياة ويوصل طلبة العلم الى قلعة الإبداع ونفحات الإبداع.
فلقد تخصص في مجالات علوم الفقه واصوله وعلم تفسير القرآن الكريم يحيى بن سعيد، وزرارة بن أعين وجميل بن دراج، ومحمد بن مسلم، واسحاق بن عمار، وأبو بصير، وعبد الله الحلبي، وأبان بن تغلب، والفضيل بن يسار،وسفيان الثوريّ، وأبو حنيفة، ومالك بن أنس، ومحمد بن الحسن الشيباني، وسفيان بن عيينه.
وبعض طلبته تخصص في مجال حكمة الوجود كالمفضّل بن عمر والذي وله الكتاب المشهور (توحيد المفضّل) والذي كان بإملاء من الامام الصادق عليه السلام.
وتخصص بعضهم في مجال المناظرات كهشام بن الحكم الذي كان هو البارز في المناظرات وتحقق الكثير من الانتصارات العلمية على يديه، ولاسيما مناظرته مع زعيم المعتزلة عمرو بن عبيد.
كما وتخصص بعضهم في مجال علم الكيمياء كالعالم الكبير جابر بن حيان الكوفيّ إلا أن هذا النوع من العلماء الكبار لم تساعده الظروف العامة والاوضاع السياسية على نشر وتطوير هذا العلم بخلاف ما حدث في العصور الحديثة حيث تطور هذا العلم على يد بعض علماء الكيمياء.
وبهذا يكون التخصص العلمي نشأ على يد الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام ليضع بذلك اللبنة الأولى له والدعائم الركيزة لمعالمه المستقبلية لضمان التقدم العلمي و الإزدهار الفكري والتطور الثقافي في مختلف مجالات العلوم مما يتكفل ببناء الانسان وتكامله وتوفير متطلبات الحياة في جميع المجالات المتباينة كالمجال الطبي والمجال الصناعي والمجال الاقتصادي لبناء حياة الانسان.