نظرية الصادق (عليه السلام) حول أسباب بعض الأمراض
ومن النظريات التي قال بها الإمام الصادق (عليه السلام) وكشفت عن نبوغه العلمي وإحاطته الواسعة بدقائق العلوم، نظريته المتعلقة بانتقال بعض الأمراض عن طريق الضوء من المريض إلى السليم.
ومؤدى هذه النظرية أن هناك أمراضاً ينبعث منها ضوء، فإذا أصاب الضوء أحداً، انتابته العلة.
ولا بد من ملاحظة أن هذا القول لا ينسحب على العدوى بطريق الهواء أو الميكروب، لأن هذه الحقيقة لم تكن قد كشفت بعد أيام الصادق (عليه السلام)، وإنما ينصب هذا القول على الضوء ـوليس كل ضوءـ بل الضوء الذي يشعه المريض، فإذا أصاب سليماً أمرضه.
وقد ذهب علماء الأحياء إلى أن هذه النظرية ضرب من الخرافة، اعتقاداً منهم بأن العامل الرئيسي في انتقال المرض هو الميكروب أو الفيروس الذي ينتقل بصورة مباشرة أو غير مباشرة عن طريق الحشرات أو الماء أو الهواء الملوث.
وكان الاعتقاد السائد بين المطببين قبل اكتشاف الميكروب أن الرائحة هي السبب الفعال في انتقال المرض، ولهذا صرفوا اهتمامهم إلى الحيلولة دون انتقال الرائحة من المريض إلى السليم. أما ما ذهب إليه الصادق (عليه السلام) من أن الضوء المشع المنبعث من المريض هو الذي يتسبب في نقل العدوى، فهو نظرية لم يقل بها أحد في أي مرحلة من مراحل تاريخ الطب الطويل.
وظلت هذه النظرية معدودة من الخرافات في رأي العلماء والباحثين إلى أن جاءت التجارب العلمية المعاصرة معززة لها ومثبتة لصدق آراء الصادق (عليه السلام) هذه.
ففي مدينة (نوو ـ وو ـ سيبيرسك)(1) الواقعة في الاتحاد السوفياتي مركز من أهم مراكز البحوث في العلوم الكيميائية والطبية. وقد استطاع هذا المركز أن يثبت للمرة الأولى بأن هناك من الأمراض ما يشع ضوءاً، وأن هذا الضوء قادر في حد ذاته، ودون ميكروب أو فيروس، على إصابة الخلايا السليمة وإيقاع المرض بها.
أما الأسلوب الذي اتبعه علماء مركز (نوو ـ مم ـ سيبيرسك) في إجراء تجاربهم فكان على النحو التالي:
تخير العلماء مجموعتين من الخلايا الموجودة في كائن حي، وراعوا فيها أن تكونا من نفس العضو، كخلايا القلب أو الكلى مثلاً، ثم أجروا عليهما عملية تجزئة أو تحليل، وتابعوا نتيجة ذلك. وقد تبينوا أن الخلية تشع أنواعاً من (الفوتون)، (ومعروف أن ذرة الضوء تسمى بالفوتون، وهو أصغر جزء منه) وبفضل التقدم العلمي استطاعت المختبرات العلمية تجزئة الفوتون وإجراء تجارب علمية عليه.
وبعد إجراء البحوث الدقيقة على هاتين المجموعتين من الخلايا المتشابهة والمختلفة في الكائن الحي، أدخلوا المرض على مجموعة منها ليتابعوا تأثير إشعاعه، فوجدوا أن الفوتون يشع من الخلية المريضة أيضاً، وأن المرض يمنع الخلية من الإشعاع.
ثم انتقل العلماء إلى المرحلة الثانية من التجارب، فوضعوا الخلايا السليمة في حافظتين إحداهما من الكوارتز(2) والأخرى من الزجاج.
ومعروف أن من خواص الكوارتز مقاومته للأشعة، فلا تخترقه إلا الأشعة البنفسجية، في حين أن من خواص الزجاج العادي أن فوتون أنواع الأشعة يخترقه ما عدا الأشعة فوق البنفسجية.
وقد تبين العلماء بعد انقضاء ساعات على الخليات الموجودة في الحافظتين أمام الخلية المريضة أن ما كان منها في حافظة الكوارتز أصيب بالمرض، أما الخلايا التي كانت في الحافظة الزجاجية فقد بقيت سالمة.
وما دام الكوارتز يقاوم جميع أنواع الأشعة ما عدا الأشعة فوق البنفسجية، وما دام الزجاج يقاوم الأشعة البنفسجية وحدها، فقد تحقق من هذه التجربة أن الخلية المريضة التي تصدر منها أشعة فوق بنفسجية قادرة علة نقل المرض إلى الخلايا السليمة من خلال هذه الأشعة. أما الخلايا السليمة الموضوعة في الحافظة الزجاجية، فلم تصل إليها الأشعة فوق البنفسجية الصادرة عن الخلية المريضة، وبقيت محتفظة بسلامتها، في حين أن الخلايا السليمة الموجودة في حافظة الكوارتز أصابتها العلة لأن الكوارتز لا يقاوم الأشعة فوق البنفسجية الصادرة من الخلايا المريضة.
وقد أعيدت هذه التجارب على أمراض مختلفة وعلى خلايا متشابهة ومختلفة طوال ربع قرن، وبلغ عدد التجارب التي أجريت خمسة آلاف، وذلك للتوصل إلى رأي علمي ثابت بالبرهان العلمي المتكرر.
وقد تشابهت نتائج هذه التجارب، ودلت بصورة قاطعة على أن الخلية المريضة تنبعث منها أشعة مختلفة، منها الأشعة فوق البنفسجية، وأن الخلية السليمة إذا ما أصابتها أشعة فوق بنفسجية صادرة عن خلية مريضة، انتقلت إليها نفس علة الخلية المريضة.
ولم يحدث في جميع التجارب التي استمرت خمساً وعشرين سنة أن تجاوزت الخلايا السليمة والخلايا المريضة بحيث يقال إن عدوى الميكروب أو الفيروس انتقلت من هذه إلى تلك بالاحتكاك، فثبت للباحثين أن سبب انتقال العدوى هو الأشعة فوق البنفسجية المنبعثة من الخلية المريضة.
وإذا منعنا هذه الأشعة من الوصول من الخلايا المريضة إلى الخلايا السليمة، منعنا المرض من الانتقال من هذه إلى تلك.
ومن خواص المضادات الحيوية أنها تقلل من حدة هذه الأشعة، فتشل قدرتها على نقل العدوى من الخلايا المريضة إلى الخلايا السليمة.
ويؤخذ من البحوث التي أجريت في هذا المركز العلمي السوفيني أن خلايا جسم الإنسان تصدر عن كل منها أشعة فوق بنفسجية، كما أنها تستقبل هذه الأشعة، أي أنها ترسلها وتستقبلها وتنقل العدوى بسببها إذا ما انتقلت من خلية مريضة إلى خلية سليمة. أما إذا كانت الخلية سليمة، فلا يترتب على انتقال الأشعة ضرر أو مرض.
كذلك ثبت أن الخلايا السليمة، إذا ما مرضت بفعل التوكسين (السم)، أصبحت بدورها ناقلة للعدوى بفعل الأشعة فوق البنفسجية المنبعثة منها.
والتوكسين سم تولده عناصر وخلايا موجودة في جسم الإنسان، ولكن مفعوله في الجسم يختلف عن مفعول الميكروبات والفيروسات. والإكثار من الطعام هو من العوامل الهامة في توليد التوكسين بكميات زائدة في جسم الإنسان عند التقدم في العمر.
وقد ثبت من التجارب العلمية التي أجريت، وعددها خمسة آلاف تجربة، أن الخلايا المريضة تنتقل منها العدوى إلى الخلايا السليمة بفعل الأشعة فوق البنفسجية المنبعثة من الأولى، كما ثبت أن الخلايا المريضة بالتوكسين تنقل المرض بدورها بفعل هذه الأشعة عينها، دون انتقال لأي ميكروب أو فيروس من الخلايا المريضة إلى الخلايا السليمة.
ولا ريب في أن النتائج التي أسفرت عنها هذه التجارب قد فتحت أمام علماء الأحياء والطب ميداناً جديداً يطرقونه لمعالجة الأمراض، يتمثل في اللجوء إلى إحدى طريقتين: إما الاهتداء إلى وسيلة تمنع انتقال الأشعة البنفسجية من الخلية المريضة إلى الخلية السليمة (كما هو الحال في انتقال الخلية المصابة بالسرطان إلى غيرها من الخلايا السليمة من طريق الأشعة فوق البنفسجية)، وإما بإكساب الجسم مناعة، بحيث تستطيع خلاياه السليمة مقاومة هذه الأشعة الناقلة للعدوى.
وقد أنعش هذا الكشف العلمي العظيم آمالاً عريضة في إمكان التوسل بهذا الأسلوب في معالجة الأمراض المستعصية كالسرطان وغيره. ومع أن العلماء يتفاءلون دائماً بقرب تحقيق المعجزات، إلا أننا نفضل دائماً انتظار ما تسفر عنه التجارب العلمية المتصلة، فهي وحدها التي تقطع بالنجاح أو بالفشل.
وثمة حقيقة لا ريب فيها، عززتها طائفة كبيرة من العلماء والباحثين في المراكز العلمية الأخرى، مؤداها أن الخلايا المصابة بأمراض مختلفة يشع كل مرض منها نوعاً خاصاً من الفوتون يختلف عن غيره من فوتونات الأمراض الأخرى. والعلماء عاكفون على إعداد جدول علمي يضم جميع أنواع الفوتونات والرقم الرمزي الخاص بكل نوع منها، ولكن إعداده يحتاج إلى وقت طويل بالنظر إلى كثرة عدد الميكروبات والفيروسات وأنواع التوكسين (السم)، ومع ذلك، فقد استطاعوا قبل الفراغ من هذا الحصر والإحصاء أن يشخصوا كثيراً من الأمراض والفوتونات التي تشعها وطرق علاجها.
وعلى سبيل المثال نذكر أن العلماء استطاعوا بعد كشف أسباب العدوى بميكروب الأنفلونزا ونوع الفوتون الذي يشعه وكذلك أشعته فوق البنفسجية، أن يحددول العلاج الكفيل بمنع سريان هذا المرض إلى الخلايا السليمة الأخرى.
وقد أجريت تجارب علمية مماثلة في الولايات المتحدة الأمريكية، فجاءت نتائجها متفقة مع ما انتهى إليه مركز الأبحاث السوفيتية، كما وضع الدكتور جون أوت كتاباً في هذا الموضوع ونشرت المجلات الطبية والعلمية نتائج هذه البحوث.
سقنا هذا العرض لندلل على أن العلم الحديث جاء مؤكداً للنظرية التي دعا إليها الإمام الصادق (عليه السلام) في منتصف القرن الثاني للهجرة ومؤداها أن الضوء المنبعث من مرض ما يتسبب في إصابة الغير بالمرض، وهي النظرية التي اعتبرت يومها من الخرافات البعيدة عن الواقع، فقد أقام العلم الحديث البرهان على أن الأشعة فوق البنفسجية المنبعثة من الخلايا المريضة تتسبب في نقل الأمراض إلى الخلايا السليمة. أما الأشعة فوق البنفسجية المنبعثة من الشمس فهي لا تصيب الإنسان أو الكائنات الحية بالمرض إلا إذا وصلت إلى جسم الإنسان والحيوان دون أن تمر من الهواء، أي دون أن يفصل بينها وبين الكائن الحي عائق مثل طبقة الهواء، ولولا هذه الطبقة الهوائية العازلة، لهلكت الكائنات الحية. وصفوة القول، إن التجارب العلمية قد جاءت مؤكدة لنظرية الإمام الصادق (عليه السلام) بعد ألف ومائتين وخمسين سنة.
على أن موضوع انتقال عدوى بعض الأمراض من الجسم المريض إلى الجسم السليم قد اهتدى إليه الإنسان من قديم، فقد جاء في ورقة من أوراق البردي المصرية القديمة، التي يرجع تاريخها إلى 15 قرناً قبل الميلاد والني يحتفظ بها المتحف الفرنسي، أن رجال فراعنة مصر منعوا المسافرين في سفينة من النزول إلى الساحل لأنهم كانوا مرضى، وخيف من نقلهم العدوى إلى الأصحاء.
وتثبت هذه الوثيقة التاريخية حقيقتين، أولاهما أن النقل البحري كان مزدهراً في مصر القديمة بين المدن المتناثرة على ضفتي النيل والبحرين الأحمر والأبيض، وثانيتهما أن الطب كان متقدماً في مصر القديمة في هذه الفترة السحيقة التي ترجع إلى 3500 سنة مضت.
فقد ثبت عند الناس من قديم أن بعض الأمراض ينتقل من المعتل إلى السليم، أي أن هناك طائفة من الميكروبات التي تنقل العدوى.
أما وقد نجح التجريب العلمي في إثبات نظرية الإمام الصادق (عليه السلام) من أن الأشعة فوق البنفسجية التي تنبعث من الخلية المريضة تتسبب في اعتلال الخلايا السليمة، فهل يمكن قياس فعالية هذه الأشعة؟ وهل يجوز القول بأن الأمراض التي تظهر من ناحية دون أخرى، أو الأمراض التي تقع مرة واحدة أو مصادفة، إنما هي أمراض انتقلت من خلايا مريضة بفعل الأشعة فوق البنفسجية؟ إن الرد على هذه التساؤلات، بما فيها قياس مفعول الأشعة الناقلة للعدوى، ما زال أمراً غير مقطوع به.
صحيح أن العلم الحديث عرف أن الفيروس لا يكاد يتخذ مكانه في الخلية حتى يسرع في التكاثر والانتشار بسرعة فائقة، وأن المضادات الحيوية أو غيرها من العقاقير تساعد على قتل الجراثيم والفيروسات في جسم الإنسان، ولكن العلم الحديث ما زال يجهل أشياء كثيرة، منها مثلاً سبب إصابة الخلايا بالشيخوخة. ولو عرفت علة هذه الشيخوخة وعولجت في الخلايا، لانتفت الشيخوخة من حياة الإنسان.
ومن الثابت والمقطوع به لدى العلماء الأمريكيين والروس أن الفوتون الموجود في الخلية المريضة ـ وهو جزء صغير من الضوء ـ إذا انبعثت منه أشعة فوق بنفسجية ووقعت على خلية أخرى سليمة، لتسببت في إصابتها بالمرض.
وللإيضاح نقول إنه إذا تصورنا أن الجرثومة (الميكروب) هي في حجم البالون، كان الفيروس في حجم حبة السمسم بالنسبة إليه. ولكن هذه الحبة الصغيرة بالنسبة للميكروب تحمل معها عدوى المرض إلى الخلايا السليمة.
وربما كان تعليل ذلك أن الفوتون يحمل معه جرثومة صغيرة جداً من المرض، وأن هذه الجرثومة تتسبب في اعتلال الخلية السليمة، وربما نجح العلم في القريب في تبيان كيفية انتقال المرض من الخلية المريضة إلى الخلايا السليمة من خلال الأشعة فوق البنفسجية، والعلم الحديث كفيل بكشف الغوامض جميعاً.
ولا تقتصر النظريات العلمية الكاشفة للإمام الصادق (عليه السلام)، ولا سيما في الفيزياء، على ما أوردناه في هذا البحث حتى الآن، بل إن له نظريات هامة أخرى أكدتها التجارب العلمية الحديثة.
ومن هذه النظريات مثلاً قوله إن لكل كائن موجود وجوداً ذاتياً كائناً مضاداً له، ما عدا الله، ولكن الضدين لا يتصادمان ولا يجتمعان، ولو اجتمعا أو تصادما لكانت في ذلك نهاية العالم.
وهذه النظرية هي بعينها النظرية الحديثة القائلة إن للمادة نقيضاً أو مضاداً (anti- body) وقد قطعت هذه النظرية شوطاً بعيداً في سبيل إثباتها بالتجريب العلمي.
والعلماء في البلدان المتقدمة عاكفون اليوم على البحث في مضادات العناصر المختلفة ونقائضها رغبة في التحقق منها(3).
والفرق بين المادة ومضاد المادة أو نقيضها يتحصل في أن المادة في العناصر المادية تتركب ذراتها من نواة مركزية موجبة تدور في فلكها إلكترونات سالبة، في حين أن ذرات المادة تتألف من نواة سالبة تدور في فلكها إلكترونات موجبة، أي أنها تماثلها ولكن بصورة عكسية تماماً.
ولم تجر حتى الآن تجربة يراد منها تحقيق مواجهة بين ذرات المادة وذرات مضادها، ولا تعرف بالتالي نتيجة هذه المواجهة، وهل يسفر التصادم بينهما عن انفجار أو عن أي عواقب أخرى ما زال أمرها في طي الغيب.
والحديث عن وقوع انفجار نتيجة لهذا التصادم لا يعدو أن يكون رأياً شبيهاً إلى حد كبير بالرأي النظري الذي كان يقول به العلماء حول شطر نواة ذرة عنصر الأورانيوم قبل صيف عام 1944 عندما فجرت أمريكا نواة الذرة للمرة الأولى، وحسمت بالقنبلة الذرية الحرب العالمية الثانية، إذ كان العلماء في ذلك الوقت يتحدثون عن إمكان حدوث سلسلة من الانفجارات المتصلة والمتعاقبة في عناصر الأرض إذا ما أمكن تفجير نواة الذرة، أي إحداث تفجير نووي، ولكن التفجير الذي أحدثته أمريكا انتهى دون أن ينتقل إلى بقية العناصر في الكرة الأرضية.
صحيح أنه قد أجريت تفجيرات أخرى كثيرة حتى الآن، سواء في الولايات المتحدة أو في غيرها، ولكن هذه التفجيرات كانت محدودة، ولم تنتقل إلى سائر العناصر في الكرة الأرضية، ولكن التفجير النووي شيء، والتفجير الذي يحتمل أن يحدث نتيجة لتصادم المادة ومضادها شيء آخر.
فالتفجير النووي أو الهيدروجيني يــحول جزءاً صغيراً من المـــادة إلى طاقة، ويبقي الجزء الأكـــبر عاطلاً فلا يـــتحول إلى طاقة(4).
ويؤخذ من معادلة أينشتين الذرية أن الطاقة تساوي الكتلة مضروبة في مربع إلى فناء العالم، فقد استولى القلق والخوف الكبيران على علماء الفيزياء الذين صنعوا القنبلة الذرية الأمريكية وفجروها لأول مرة في عام 1944 خشية أن تحل بالعالم كارثة ماحقة.
واليوم يقول علماء الفيزياء الذين يدرسون احتمالات اصطدام المادة بمضادها إن هذا التصادم سينتهي بتحويل الاثنين إلى طاقة خالصة. ويذهب هؤلاء العلماء إلى أن اصطدام كيلو غرام من المادة بكيلو غرام من مضادها كفيل بتوليد طاقة تفني الكرة الأرضية إفناء تاماً وتحولها إلى غاز شديد الحرارة ينتشر في المنظومة الشمسية بأسرها.
ولكن البروفيسور آلفون، وهو أستاذ للفيزياء بجامعة (لوند) السويدية، عارض هذه النظرية قائلاً إن الأمر سينتهي بالإنسان إلى استغلال الطاقة المتحصلة من اصطدام المادة بمضادها وتسخيرها في أغراضه الصناعية باعتبارها طاقة لا تنفد. في حين أن الطاقة التي يمكن توليدها من البرق ومن شطر نواة اليورانيوم ومن الهيدروجين ومن مساقط المياه وحركات البحار هي طاقة لا تحل مشكلة الإنسان، ويعزز هذا العالم رأيه بقوله إن الطاقة المتولدة من اصطدام مائة كيلو غرام من المادة ومضادها، تكفي حاجات البشر من الطاقة في الكرة الأرضية بأسرها في سنة كاملة.
ولكن كان كل ما يقال عن عواقب اصطدام المادة ومضادها رجماً بالغيب، لأن هذا لم يتحقق بالتجريب العملي، فإن البروفيسور آلفون يرى أن مثل هذا التصادم ـإن تحققـ لن يولد إلا طاقة خالصة من جميع عناصر التلوث التي تفسد البيئة.
وقد أطلق البروفسور آلف على الطاقة الحاصلة من اصطدام العنصرين اسم (ماترجي) materji في مقابل (إنرجي) energy وهي الطاقة المولدة من المادة.
ويؤخذ من الفروض النظرية لهذا العالم أنه لو حدث اصطدام بين 500 غرام من المادة و500 غرام من مضاد المادة لتولدت من ذلك حرارة قدرها مائة مليار درجة (أي مائة ألف مليون درجة)، وليس في العالم مصدر يمكنه إعطاء البشرية هذا القدر من الحرارة، علماً بأن حرارة مركز قرص الشمس لا تزيد عن عشرة ملايين درجة.
ويقول البروفيسور آلفن في الرد على التساؤل: أفيستطيع الإنسان إخضاع هذا القدر الهائل من الحرارة وتسخيره في قضاء مطالبه؟ إن هذا ممكن إذا ما استطعنا إحداث تفجير جزئي في عملية تصادم العنصرين، تماماً كما أن التفجير الذي يحدث في نواة الذرة هو تفجير جزئي أو ناقص. وقد تقدم أن جزءاً فقط من المادة هو الذي يتناوله التفجير الذري ويحوله إلى طاقة، أما القدر الأكبر من المادة فيبقى دون تفجير ويذهب هباء.
ويذهب البروفيسور آلفن إلى أن المانع من إحداث تفجير بين المادة ومضاد المادة هو مانع اقتصادي، لأن التجربة الأولى ستكلف ما يتفاوت بين عشرة مليارات وخمسة عشر ملياراً من الدولارات، وهو مبلغ طائل تنوء به ميزانيات الحكومات والمؤسسات.
ولو تمت هذه التجربة، لأمكن بسهولة توليد الطاقة من هذا المصدر، وإذا كان العلماء اختاروا اليورانيوم من دون العناصر الأخرى في التجارب التي قاموا بها لتفتيت نواة الذرة، فأرجح الآراء أن عنصر الهليوم هو الذي سيختار دون سائر العناصر لإجراء تجارب اصطدام المادة بمضادها، وسبب ذلك أن علماء الفيزياء في الاتحاد السوفيتي قد اكتشفوا مضاد الهليوم، ولعلهم يعدون لإحداث مواجهة بين الهليوم وهذا المضاد.
__________________________________________________ ____
1 - عرفت هذه المدينة قديماً باسم (نوو ـ وو ـ نيكله يوفسك)، ثم غير اسمها في عام 1925 إلى (نوو ـ وو ـ سيبيرسك)، وهي تعد من المراكز العلمية والصناعية الهامة في مقاطعة سيبيريا الروسية. ويؤخذ من آخر إحصاء ورد في دائرة المعارف الجغرافية البريطانية أن عدد سكانها كان في عام 1963 حوالي مليون نسمة (990000 على وجه التحديد).
2 - الكوارتز، ويسمى أيضاً السليكا، حجر معدني متبلور يكثر في جبال الأورال السوفيتية، ويسمى النوع الأبيض منه بألماس الأورال.
3 - من مؤدى هذه النظرية أن لكل مادة نقيضاً أو مضاداً، وأن المواجهة بين المادة ونقيضها تنتهي بفناء المادة. ويبدو من البحوث التي أجراها العلماء في مختبرات كالهام في إنكلترا وبروكهافن في الولايات المتحدة وكارلسروه في ألمانيا الغربية أن هذه النظرية صحيحة. وهناك اعتقاد بأن المادة ونقيضها قد خلقهما الله معاً عندما أوجد هذا الكون، وأن للاثنين أصلاً واحداً وأنهما يتطوران تطوراً واحداً راجع (العلوم الطبيعية في القرآن) لحسين مروة ص222.
4 - وفقاً لقانون تحويل المادة إلى طاقة، تحتسب الكتلة بالغرام، ويقاس مربع سرعة الضوء بالسنتيمتر، أي السرعة التي بها يقطع الضوء مسافة سنتيمتر واحد. وبعد تحديد هذا القياس يضرب في مربعه، ثم يضرب حاصل الضرب في وزن الكتلة مقيسة بالغرام، والناتج هو مقدار الطاقة. وتقاس الطاقة بمقياس آخر يطلق عليه اسم (إيرك)، والإيرك هو القوة التي تتحصل من كتلة غرام واحد في سنتيمتر واحد من سرعة الضوء في ثانية واحدة. ولو أردنا معرفة الطاقة التي تنبعث من كيلو غرام، أي ألف غرام من مادة معينة، لضربنا النتيجة السابقة في ألف ـ هذا طبعاً إذا تحول الكيلو غرام كله إلى طاقة. (المترجم). وحتى نعرف مقدار ذرة الهيدروجين وحجمها، تكفي الإشارة إلى أن وحدات الكتلة الذرية تقاس بوحدة الهيدروجين، وتعتبر ذرة الهيدروجين وحدة للقياس ووزنها 1.66 جزء من مليون مليار مليار جزء من الغرام، وكثافة نواة الذرة تبلغ مائة مليون طن لكل سنتيمتر مكعب. (راجع كتاب الدكتور يوسف مروة ص165)