موضوع: لماذا نحب الحسين عليه السلام؟ السبت أكتوبر 29, 2016 10:46 am
إن اليـهـود بحبــهـا لنبــيها أمنت معـرّة دهـرها الخــوذان وذوو الصّليب بحب عيسى أصبحوا يمشون زهواً في قـرى نجــران والمـؤمنـون بحـب آل محـمـد يرمـون في الآفـاق بالنـيـران!
هكذا أصبح شيعة ومحبي ومتبعي آل رسول الله صلى الله عليهم أجمعين!
هل اتبعنا نحن كمسلمين نداء رسولنا الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم).. (أنا سلمٌ لمن سالمتم وحرب لمن حاربتم).. أم خلقنا الأعذار الواهية والدنيئة والتي يلتمس من خلالها غباء المحللين المأجورين لأجل الدفاع عن ابن الطلقاء وأعوانه لقتله وإبادته الأسرة النبوية؟
هل أحب المسلمون الحسنين عليهما السلام امتثالاً للسنة النبوية الشريفة حينما قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (الحسن والحسين من أحبهما أحببته ومن أحببته أحبه الله ومن أحبه الله أدخله جنات النعيم ومن أبغضهما أو بغى عليهما أبغضته، ومن أبغضته أبغضه الله، ومن أبغضه الله أدخله نار جهنم وله عذاب مقيم)؟
قبل استعراض فضائل سبط رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حسب ما هو وارد في الأحاديث المتواترة من كتب الحديث والتفسير والتاريخ يتعين علينا أن نعرف، لماذا يحب شيعة آل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الحسين عليه السلام؟
يقول الشاعر: لو كان حبك صادقاً لأطعته إن المُحب لمن يحب مطيعُ
إن الحب الحقيقي هو الموالاة والاتباع والانقطاع التام إلى المحبوب. إن أول من أسس وجوب حب الحسين هو جده صلى الله عليه وآله وسلم، حيث قال الكثير في شأن ولده الحسين. وفي البداية سنتطرق عن حب الأنبياء لأولادهم وأسبابها لتقريب الموضوع إلى الأذهان.
الحب لله: يجب على المسلم الحقيقي أن يجعل حبه وبغضه لأي شيء لله سبحانه، أي يجب أن يتجرد من كافة التحيزات مهما كان نوعها، وإن كان حبه لولده الوحيد، وعليه أن ينظر للأمور بشكل موضوعي وصادق بعيداً عن التحيز. إن تصرفات الرسل والأنبياء والأولياء كانت كلها لله سبحانه. فحب سيدنا يعقوب لولده يوسف لم يكن حب الأب لولده كما هو متعارف عليه لدى البشر العاديين، فلماذا إذاً ميّز يعقوب ولده يوسف عن بقية أولاده، هل لجماله؟ أم لصغر سنه؟ أم لجمال روحه؟ أم لسجيته؟ فسيدنا يوسف كان محبوباً عند أبيه ومفضلاً عن بقية إخوته، لأن يعقوب كان عالماً بأن الله قد اختار يوسف واصطفاه.. قال سبحانه: (إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكباً والشمس والقمر لي ساجدين، قال يابني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيداً إن الشيطان للإنسان عدو مبين). فما إن أصبح سيدنا يوسف حبيباً لله، أصبح يعقوب متيماً في حب ولده. فحينما غاب يوسف عن عين أبيه ابيضت عيناه من شدة البكاء وهو كظيم. فالبكاء كان سببه فراق حبيب الله عن عين يعقوب. وأما ما جاء في قصة سيدنا إبراهيم الخليل عليه وعلى نبينا وآله السلام، فقد رزقه الله سبحانه ولده إسماعيل بعدما أصبح إبراهيم شيخاً كبيراً. وعندما بلغ إسماعيل أشده رضخ إبراهيم لنداء السماء ليذبح ولده. فلما دار الحب بين الأمرين وهو حب إبراهيم لله وحب إبراهيم لولده إسماعيل، اختار إبراهيم حب الله على حب ولده دون أن يتردد ولو للحظة واحدة. وكذلك الحال بالنسبة إلى إسماعيل، فحينما دار بين حبه للدينا وحبه لله اختار حب الله دونما تردد. (قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين). فلو كان حب نوح لولده خارجاً عن إطار الحب لله، لضج وبكى لغرق ولده ولحصل له ما حصل لسيدنا يعقوب على فراق ابنه. ولا أحد يستطيع أن يدّعي بأن نوحاً لم يكن يحب ولده من الناحية الغريزية، بدليل قول نوح حسب ما ورد في الذكر الحكيم (يا بني اركب معنا ولا تكن من الكافرين)، لكن الولد العاق والمغرور أبى قبول نصيحة والده الشفيق.. (سآوي إلى جبل يعصمني من الماء)، فنظر إليه نوح نظرة أب مشفق لولده فقال له: (لا عاصم اليوم من أمر الله، إلا من رحم). وبعد برهة من هذه المحاورة (حال بينهما الموج، فكان من المغرقين). أخذت الرقة تأخذ حيزاً ومن قلب الأب على ولده، فتضرع إلى الله في نجاة ابنه الغريق، فإن الله تعالى كان قد وعد بنجاة أهله، فقال نوح عليه السلام: (رب، إن ابني من أهلي، وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين)، ولكن الله قد وعد نجاة أهل نوح الذين كانوا من الصالحين، ولذا أجابه سبحانه: (يا نوح، إنه ليس من أهلك، إنه عمل غير صالح). وهكذا دار الحب بين الأمرين وهو حب نوح لله وحبه لولده، فلم يكن للمحب إلا أن يختار الحب الحقيقي، فاختار حب الله على حب ولده.
وكذلك الحال بالنسبة لخاتم الأنبياء (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلماذا أحب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فاطمة الزهراء عليها السلام حباً خاصاً؟ إن تألق فاطمة الزهراء وهيمنتها على قلب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يكن من واقع الصدفة، ولم يكن من واقع التحيز لها لأنه كان على علم بأن حب فاطمة من حب الله سبحانه، ورضاها من رضى الله سبحانه، وذلك حسب ما ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في شأن ابنته فاطمة عليها السلام، ويجب علينا تذكر قوله سبحانه: (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) إلى جانب الآيات الكثيرة التي نزلت في شأنها.
ويأتي الدور على بطل الإنسانية الخالد، أبي الأحرار، وسيد الشهداء الذي أعطى كل ما لديه لله. فدى أولاده وأخوته وأهل بيته وأصحابه دون أن تزل قدماه، بعدما مُثِّل بهم أمام عينيه الكريمتين وقتل ولده عبد الله الرضيع والذي لم يتجاوز الستة أشهر من عمره وهو على صدره حينما طلب قطرة من الماء بعدما جف صدر أمه من شدة العطش!
وعليه، يحب المسلم الحقيقي الإمام الحسين عليه السلام إسوة برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث يقول سبحانه في محكم كتابه في سورة الأحزاب: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا) فالإمام الحسين عليه السلام أعطى كل ما عنده لله عز وجل، فأحبه الله وأحبه المسلمون. وهل هناك من يجهل الحسين، وجاهه عند الله ورسوله؟
لنتذكر هنا ومضات - بكل اختصار وإلا فالإلمام الكامل بشخصية الحسين عليه السلام - وما ورد في فضله ومقامه وجاهه لا يستوعب مجلداً كبيراً، بل يحوجنا الأمر إلى مجلدات ضخام.
منزلة الحسين عند الله تعالى: عشرات الآيات القرآنية تبجّل وتثني على الحسين بن علي عليهما السلام، نخص بعض الآيات القرآنية، فقال سبحانه في آية التطهير: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا). فقد أجمع ثقاة المفسرين والمؤرخين والمحدثين على أن هذه الآية نزلت في رسول الله وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم أفضل الصلاة والسلام. وفي آية المباهلة: قال سبحانه: (فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين). واتفقت هنا كلمة المفسرين حيث أكدوا بأن هذه الآية الكريمة نزلت في خمسة لا غير، وهم النبي وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم الصلاة والسلام. وكذلك الحال في آية الأبرار: (إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا، عيناً يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا، يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا، ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا، إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءا ولا شكورا). فقد اتفقت كلمة المفسرين على أن هذه الآية الكريمة نزلت في فاطمة وعلي والحسن والحسين عليهم السلام حينما نذروا صياما، فعند الإفطار كانوا يقدمون طعام الإفطار إلى المساكين واليتامى والأُسَراء لمدة ثلاثة أيام، حيث لم يستيطعوا أن يردوا سائلاً على بابهم.. وهناك العشرات والعشرات من الآيات التي نزلت بأهل البيت النبوي والتي خصص لها مفسرون من كلا الفريقين بأنها نزلت بأهل البيت. والذي يحزنني كمسلم هو أن أرى قيام الجهات الرقابية في الكثير من الدول الإسلامية بمنع الكتب التي تحصر مناقب أهل البيت من القرآن الكريم في كتاب واحد ولان كان الكُتّاب والمفسرون من كبار علماء اخواننا من أهل السنة وأخص بالذكر أسباب النزول للواحدي وشواهد التنزيل للحسكاني ووفاء الوفاء للسمهودي وينابيع المودة للقندوزي والنصائح الكافية لمن يتولى معاوية للسيد محمد بن عقيل بن عبدالله بن عمر بن يحيى العلوي وهو من علماء السنة. هذا وتأتي بعض المهادنات بين تلك الجهات التي تحتكر على نفسها سلطة منع الكتب مع بعض الكُتّاب ذوي الأقلام الرخيصة التي تشتري بأقلامها آيات رخيصة فتضع كلمات ثم قال كذا وكذا وكذا« بدلاً من خليفتي ووصيي من بعدي في حديث الدار فينطبق عليهم قوله سبحانه: (أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين). فكيف لنا نحن أمة القرآن أن نعرف الحقائق إذا ما حُجبت عنا ولا نقول إلا أن الله سيتم نوره رغماً عن أولئك الأقدون!
فهل نزلت مثل تلك الآيات باي شخصية إسلامية غير أهل البيت... أتساءل... ليأتي أي من علماء المسلمين على آية واحدة نزلت بشيخ الطلقاء وسيدهم وولده وحفيده لتأمرنا بمودتهم ومودة أولادهم!
بالطبع لا يمكن، وعليه عرف أولئك كيف يخلق المال وتخلق الجواري الحسان الأحاديث الملفقة لتجعل منهم كتاب الوحي ولتطلق أسماءهم على المدارس دون غيرهم! إن النبي أراد أن ينبهنا لشيء هام ويحذرنا منهم فصنفهم بالطلقاء لتصبح هويتهم من الطلقاء إلى يوم البعث حيث قال: (اذهبوا فأنتم الطلقاء) ولم يقول اذهبوا فإني أطلقتكم لتعيشوا مثلاً!
فإن كان نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) يحب ولده فحبه على قسمين، القسم الأول حبه لولده من الناحية الغريزية بصفته جده، والقسم الثاني حباً صافياً لله. فلا تأخذه العواطف وصلة القربى مأخذا كبيرا في علاقاته مع أولاده، فإن الحب لا يكون لولده من باب العاطفة، وإن فضّل ولداً عن بقية أولاده الآخرين، فإن ذلك الحب والتفضيل يكون لله ليجعل من ولده سلماً للوصول إلى رضى الله سبحانه وتعالى.
وختاماً نقول: إن الإفراط في الحب خطير مهلك ما لم يكن في حب الله وحده وحب من أحبه الله، أي أن لا تأخذ المحبة كل عواطفنا فتتحكم بنا وبأحكامنا وتجعل منا أناساً مسيرين وليس مُخيرين، فنتحيز لأولادنا ونفضلهم على سائر الخلق حتى وإن كانوا من الفاسقين، وهو الأمر الذي يجعل الملوك تنصب أولادها على الشعوب دون النظر إلى أهليتهم للحكم والمنصب، أمثال معاوية الذي نصب ولده يزيد على المسلمين وابتدع أكبر بدعة في الإسلام دون حسيب أو رقيب فتجاهل بعض الغلاة لبني أمية فلم يبينوا خطر البدع وحرمتها ووجوب الالتزام بالسنة وكأنهم لم يقرأوا قوله سبحانه في سورة الشورى: (أم لهم شركاء شرعوا لهم الدين ما لم يأذن به الله) وكذلك ما ورد في الصحيحين: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد«. فلهذا ارتد معاوية وولده يزيد ومن أيد وعمل بتلك البدعة منذ ذلك الوقت.
لهذه الأسباب والإثباتات كما جاء في القرآن الكريم والحديث الشريف فإننا نحب الحسين لحب الله ورسوله له، ولا يمكننا أن نجمع بين حب الحسين وحب قاتليه في قلب واحد، ولا نستطيع بل لا يعقل أن نلقب من قتل ريحانة رسول الله بأمير المؤمنين وعليه حق القول ليصبح ابن وحفيد أخطر طليقين من الطلقاء أميراً للفاسقين!