موضوع: الصفحة المظلمة للتاريخ العباسبي الأربعاء أكتوبر 26, 2016 11:34 am
بدأت الدولة العباسية بغدرة لم يقل خطرها على الإسلام عن غدرة السقيفة، كما لم تختلف شعاراتها الزائفة عنها، وقد اتخذت من الغدر بأصحاب الحق منهجاً وسبيلاً إلى الخلافة.
فكما ادعى أصحاب السقيفة الخلافة بدعوى باطلة أساسها انتماؤهم إلى شجرة النبي وهو ما فنّده أمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله في الرد على دعوى أصحاب السقيفة: (تمسّكوا بالشجرة وأضاعوا الثمرة) وقال مخاطبا أبا بكر:
فإن كنتَ بالشورى ملكتَ أمورهم *** فكيف بهذا والمشيرونَ غيَّبُ
فقد سلك بنوا العباس نفس المسلك في الوصول إلى الخلافة بادعائهم قربى النبي، وقد جرت في ذلك الكثير من المناظرات والمساجلات والأشعار بين العلويين وشيعتهم من جهة، وبين العباسيين وشيعتهم ومن تزلّف إليهم من جهة أخرى، وفي الوقت الذي كان الأئمة الطاهرون من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) يوضّحون ويبيّنون بالأدلة الثابتة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهّرة على أحقيتهم بهذا الأمر من غيرهم، وإنهم المنصوص عليهم بالإمامة بعد النبي (صلى الله عليه وآله)، وكذلك شيعتهم كان العباسيون يجابهونهم بالبطش والتنكيل والرد عليهم بسياسة الحديد والنار.
كما مهّد العباسيون للمتزلفين لهم من الشعراء الدعاية لهم بالباطل وأسرفوا في صرف الأموال الضخمة من أجل انتقاص العلويين والحطّ من شأنهم، فتحرّك الشعراء والمنتفعون وأخذوا يلفّقون الأكاذيب في هجاء العلويين، ومن جملة هؤلاء الشاعر الزنديق مروان بن أبي حفصة الذي دخل على الخليفة المهدي ذات يوم وأنشده قائلا:
يا ابن الذي ورِثَ النبيَّ محمداً *** دون الأقاربِ من ذوى الأرحامِ
الوحي بين بني البناتِ وبينكم *** قطعُ الخصامِ فلاتَ حينَ خصامِ
ما للنساءِ مع الرجالِ فريضةٌ *** نزلتْ بذلك سورةُ الانعامِ
أنى يكون وليس ذاك بكائنٍ *** لبني البناتِ وراثة الأعمامِ
فأجازه المهدي على ذلك بسبعين ألف درهم تشجيعاً له ولغيره على الإنتقاص من أهل البيت (عليهم السلام).
وهذا الخليفة (المهدي) الذي وصفه ابن أبي حفصة بـ (وريث النبي محمد) قد عُرف بالمجون والخلاعة، يقول عنه ابن العماد الحنبلي في شذرات الذهب (ص365): (ولقد استغرق المهدي في المجون واللهو وظن الناس به الظنون واتهموه بشتى التهم والى ذلك أشار بشار بن برد في هجائه ايّاه:
خليفة يزني بعمّاته *** يلعبُ بالدفِّ وبالصولجان
أبدلنا الله به غيره *** ودسّ موسى في حر الخيزران
وللمهدي هذا تاريخ إجرامي بحق أهل البيت وشيعتهم فكأنه لم يكتف ما فعله بهم من قتل وتشريد وحبس في السجون والمطامير، فأراد إنكار نسبتهم إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)!
قول الحق
ولكن هذه الأشعار التي أراد أصحابها بها التزلّف لبني العباس، والتي خالفت القرآن الكريم والسنة النبوية، كانت تدحض بقول الحق من قبل الشعراء الشيعة، فرد جعفر بن عفان شاعر أهل البيت على مروان بقوله:
أنّى يكون؟ ولا يكون، ولم يكن *** للمشركينَ دعائمَ الإسلامِ
لبني البناتِ نصيبُهم من جدّهم *** والعمُّ متروكٌ بغيرِ سهامِ
ما للطليقِ وللتراثِ وإنما *** سجدَ الطليقُ مخافةَ الصمصامِ
وبقي ابن نثلة واقفاً متلددّاً *** فيه ويمنعه ذوو الأرحامِ
إنّ ابن فاطمة المنوّه باسمه *** حاز التراثَ سوى بني الاعمامِ
والطليق هو العباس بن عبد المطلب جد العباسيين وهو ابن نثلة الذي لم يكن له ولا لأولاده سابقة في الإسلام ولا فضل، وسنرى ذلك في قول أحد كبار الصحابة الشيعة، أما ابن فاطمة (المنوّه باسمه) فهو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وريث رسول الله وربيبه ووصيه.
قيس بن سعد بن عبادة يصف بني العباس
وقد أوجز صفتهم الصحابي الجليل قيس بن سعد بن عبادة عندما خان عبيد الله بن العباس الإمام الحسن (عليه السلام) وترك الجيش الذي وكله به والتحق بعدوه معاوية. خان عبيد الله ابن عمه الإمام الحسن في ذلك الظرف الحرج الذي هو أحوج مايكون إلى المؤازرة.
يقول أبو الفرج الأصفهاني في مقاتل الطالبيين (ص 35): (إن قيس بن سعد بن عبادة بعد أن رأى خيانة عبيد الله تولى قيادة الجيش وقام خطيباً فيه فقال: (أيها الناس لا يهولنكم ولا يعظمّن عليكم ما صنع هذا الرجل المولّه. إن هذا وأباه وأخاه، لم يأتوا بيوم خير قط. أن أباه عم رسول الله خرج يقاتله ببدر، فأسره أبو اليسر كعب بن عمرو الأنصاري، فأتى به رسول الله، فأخذ فداءه، فقسمه بين المسلمين. وإن أخاه ولّاه علي (عليه السلام) على البصرة، فسرق ماله ومال المسلمين. فاشترى به الجواري، وزعم أن ذلك له حلال. وإن هذا ولّاه علي (عليه السلام) على اليمن، فهرب من بسر بن أرطأة، وترك ولده حتى قتلوا، وصنع الآن هذا الذى صنع).
الإمام الكاظم (عليه السلام) يدحض أباطيل العباسيين
ولم يكن بنوا العباس أهلاً للخلافة فلم يكن فيهم أي صفة تؤهلهم لها يقول أبو فراس الحمداني:
ثم ادّعاها بنوا العباس ملكهم *** وما لهم قَدمٌ فيها ولا قِدَمُ
ولا رآهم أبو بكر وصاحبه *** أهلاً لما طلبوا منها وما زعموا
كما تدلنا مناظرة الإمام الكاظم (عليه السلام) مع هارون العباسي على أحقية أهل البيت بالخلافة من العباسيين وأن الأئمة المعصومين (عليهم السلام) هم ورثة النبي (صلى الله عليه وآله) وأولاده.
فقد أراد هارون العباسي أن يجعل للخلافة العباسية ركيزة شرعية من خلال حوار أجراه مع الإمام الكاظم (عليه السلام)، لكن الإمام أسقط كل ما حاول هارون أن يقيمه من دعائم واهية وحجج باطلة وجعله يتخبّط في عشوائه.
قال هارون يوماً للإمام الكاظم: أخبرني لِمَ فُضّلتم علينا، ونحن وأنتم من شجرة واحدة، وبنو عبد المطّلب ونحن وأنتم واحد، إنّا بنو عبّاس وأنتم ولد أبي طالب، وهما عمّا رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقرابتهما منه سواء؟
فقال الإمام: نحن أقرب.
فقال هارون: وكيف ذلك؟
فقال الإمام: لاَنّ عبدالله وأبا طالب لاَب واُمّ، وأبوكم العباس ليس هو من اُم عبدالله ولا من اُمّ أبي طالب.
فقال هارون: فلم ادّعيتم أنّكم ورثتم النبي (صلى الله عليه وآله) والعم يحجب ابن العم وقبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد توفي أبو طالب قبله والعباس عمّه حي؟
فقال الإمام: إنَّ في قول عليّ بن أبي طالب (عليه السلام): إنّه ليس مع ولد الصلب ذكراً كان أو اُنثى لأحدٍ سهم إلاّ الأبوين والزوج والزوجة، ولم يثبت للعم مع ولد الصلب ميراث، ولم ينطق به الكتاب العزيز والسنّة، إلاّ أنّ تيماً وعدياً وبني اُميّة قالوا: العم والدٌ، رأياً منهم بلا حقيقة ولا أثر عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ومن قال بقول علي (عليه السلام) من العلماء قضاياهم خلاف قضايا هؤلاء.
ثم استشهد الإمام ببعض القضاة المعاصرين لهارون والذين ولّاهم هو وقالوا بنفس قول الإمام فقال (عليه السلام): هذا نوح بن دراج يقول في هذه المسألة بقول علي (عليه السلام)، وقد حكم به، وقد ولّيته أنت.
فأمر هارون بإحضاره وإحضار من يقول بخلاف قوله، منهم: سفيان الثوري، وإبراهيم المدني، والفضيل بن عياض، فشهدوا أنّه قول علي (عليه السلام) في هذه المسألة، فقال لهم فيما أبلغني بعض العلماء من أهل الحجاز: لم لا تفتون وقد قضى به نوح بن دراج ؟
فقالوا: جسر وجبنّا، وقد أمضى أمير المؤمنين (عليه السلام) قضيته بقول قدماء العامة عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: أقضاكم علي وكذلك عمر بن الخطاب قال: عليّ أقضانا وهو اسم جامع، لاَنّ جميع ما مدح به النبي (صلى الله عليه وآله) أصحابه من القرابة والفرائض والعلم داخل في القضاء.
لم تكن لهارون سوى حجة القرابة الباطلة التي تبجّح بها والتي فنّدها الإمام وأثبت عكسها وهي أن أهل البيت هم أقرب إلى النبي (صلى الله عليه وآله) من العباسيين، ولكن هارون تناسى أن الإمام لو أراد أن يحاججه بعلمه وفضله وأهليته للخلافة لما قامت له قائمة.
ثم قال الإمام لهارون قولاً قوّض به الخلافة العباسية من أساسها ومحق كل ما نسبوا إليها من شرعية زائفة بقوله: إنَّ النبي (صلى الله عليه وآله) لم يورّث من لم يهاجر، ولا أثبت له ولاية حتى يهاجر.
فارتعد لهذا القول هارون وعرف المغزى الذي أراده الإمام منه فقال: ما حجّتك فيه ؟
فقال الإمام: قول الله تبارك وتعالى: (وَالّذين آمنُوا وَلَم يُهاجِرُوا ما لَكُم مِنْ ولايَتِهِم مِن شيءٍ حتى يُهاجِرُوا) وإنّ العباس لم يهاجر. وهنا كان المغزى، فأية شرعية يدعونها ؟ وأية قربى يتبجحون بها؟
هنا عاد هارون الى الإيقونة التي طالما رددها العباسيون ويحسبون أنها حجة لهم بقولهم إن العلويين هم أبناء فاطمة فقال: لِمَ جوّزتم للعامّة والخاصة أن ينسبوكم إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويقولوا لكم: يا بني رسول الله ! وأنتم بنو علي، وإنّما ينسب المرء إلى أبيه، وفاطمة إنّما هي وعاء، والنبي (صلى الله عليه وآله) جدّكم من قبل اُمّكم؟
ولكن الإمام رد عليه بسؤال أبلغ من ألف جواب فقال له: لو أنَّ النبي (صلى الله عليه وآله) نُشر فخطب إليك كريمتك هل كنت تجيبه ؟
فقال هارون: سبحان الله ولِمَ لا اُجيبه بل أفتخر على العرب والعجم وقريش بذلك.
فقال الإمام له: لكنّه لا يخطب إليَّ ولا أُزوجه.
فقال هارون: ولِمَ ؟
فقال الإمام: لاَنّه ولدني ولم يلدك.
الله أكبر ماذا بقي لديك يا هارون ؟ ماذا بقي في جعبتك من السهام الفاشلة ولم ترمها ؟ ماذا لديك من الأسئلة بعد ؟ وهل بقي لديك شيء ؟
كان هارون يفرغ ما في جعبته من الأسئلة وهو يتميز من الغيظ لكنه لم يستطع أن يقاوم هذه الحجج البالغة والبراهين الساطعة فقال رغماً عنه: أحسنت يا موسى !
ثمّ رجع إلى الإيقونة القديمة التي رددها الأمويون قبله ودحضها يحيى بن يعمر أمام الحجاج فقال: كيف قلتم إنّا ذرّية النبي (صلى الله عليه وآله) والنبي لم يعقب، وإنّما العقب للذكر لا للاُنثى، وأنت ولد الابنة ولا يكون لها عقب له.
فقال الإمام بلهجة الواثق بكلمة واحدة: لا،
فقال هارون: أو تخبرني بحجّتكم فيه يا ولد علي ! وأنت يا موسى يعسوبهم وإمام زمانهم، كذا اُنهي إليَّ، ولست أعفيك في كل ما أسألك عنه حتى تأتيني فيه بحجّة من كتاب الله، وأنتم تدعون معشر ولد عليّ أنّه لا يسقط عنكم منه شيء ألف ولا واو إلاّ تأويله عندكم، واحتججتم بقوله عزّ وجلّ: (ما فَرَّطنا في الكتاب مِن شيءٍ) واستغنيتم عن رأي العلماء وقياسهم.
فقال الإمام: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم (وَمِن ذُريَّتهِ داوُد وسُليمان وأيُّوبَ وَموسى وَهارُون وَكذلِكَ نَجزِي المُحسنينَ وَزَكريا وَيحيى وَعيسى وإلياس كُلُّ مِنَ الصالحينَ) من أبو عيسى (عليه السلام)؟
فقال هارون: ليس لعيسى أب.
فقال الإمام: إنّما ألحقناه بذراري الاَنبياء: من طريق مريم (عليها السلام)، وكذلك اُلحقنا بذراري النبي (عليهم السلام) من قبل اُمنا فاطمة (عليها السلام).
ثم قال الإمام: أزيدك ؟
فقال هارون: هات
فقال (عليه السلام): قول الله عزّ وجلّ: (فَمن حاجَّكَ فيهِ مِن بَعدِ ما جاءَكَ مِنَ العلم فقُل تَعالُوا نَدعُ أبناءَنا وَأَبناءَكُم وَنِساءَنا وَنِساءَكُم وَأَنفُسنا وأنفُسكُم ثُمَّ نَبتَهِلُ فَنجعل لَعنةَ اللهِ عَلى الكاذبين)
ولم يدّع أحد أنّه أدخل النبي (صلى الله عليه وآله) تحت الكساء عند مباهلة النصارى إلاّ علي بن أبي طالب، وفاطمة، والحسن والحسين، فأبناؤنا الحسن والحسين، ونساؤنا فاطمة، وأنفسنا عليّ بن أبي طالب.
كيف وصل العباسيون إلى السلطة ؟
ونكتفي بهذه الأدلة الساطعة من الإمام المعصوم (عليه السلام) على أحقية العلويين بالخلافة من العباسيين فهناك الكثير من المناظرات مثلها في كتب التاريخ، إذن فدعوى بني العباس باطلة من أساسها في تسنّمهم الخلافة وقد فنّد الأئمة وشيعتهم كل دعاواهم المزيفة التي طالما ضللّوا بها الناس وموّهوا عن الحقيقة، مُسخّرين في ذلك الاَعلام المضللّ المرتزق والشعراء الغاوين، بالتبجّح بالعباس عم النبي وجعله أولى من علي ابن عم النبي متناسين ابنته فاطمة (عليها السلام) التي تحجب العم في الميراث.
فلا يمكن لدعوى العباسيين الباطلة بقربى النبي والتي كانت حجتهم الوحيدة لاعتلاء الخلافة أن تصمد أمام النصوص القرآنية وأدلة المعصوم ناهيك عن الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة الكثيرة التي أكدت على الخلفاء من بعد الرسول (صلى الله عليه وآله) وهم أئمة أهل البيت (عليهم السلام) وأولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أخو النبي وصهره وباب مدينة علمه وأقضى الصحابة وأعلمهم وأفضلهم وأنصحهم وأحبهم إلى الله ورسوله.
إذن كيف وصل العباسيون إلى السلطة؟ وكيف أداروا دفة الخلافة إلى جانبهم بعد الأمويين وهم لا يملكون من مؤهلات الخلافة شيئاً ؟
ربط الدعوة بأهل البيت (عليهم السلام)
إن من يطالع بداية الدعوة العباسية لا يجد لدعواهم هذه وجوداً، ولم يكونوا ليجرؤا على إشاعتها بين الناس بوجود العلويين، بل إنهم جهدوا في بداية أمرهم على الدعوة إلى العلويين وبايعوهم ثم غدروا بهم، ولم ينشروا دعواهم الباطلة حتى اعتلوا السلطة، فقد جهدوا في بداية أمرهم على ربط دعوتهم بأهل البيت (عليهم السلام) وكان شعارهم: (الرضا من آل محمد)، و(يا لثارات الحسين) واعتمدوا على هذين الشعارين اعتماداً كليّاً وكان السبب الرئيسي لوصولهم إلى الخلافة، فقد كانوا أبعد الناس إلى تسنّم السلطة لولا أنهم ربطوا دعوتهم بهذا الشعار.
ولو رجعنا إلى جذور الثورة على الأمويين والتي انتهت بتولي العباسيين السلطة نجد أنها لم تنشأ ولم تقم بالدعوة إليهم، ولم يكن دعاتها الذين ثاروا على الظلم الأموي يدعون إلى بني العباس، بل إلى العلويين الذين بايعهم الناس ومن ضمنهم العباسيون أنفسهم، وإن أقطاب العباسيين وأول خليفتين منهم وهما أبو العباس السفاح وأبو جعفر المنصور قد بايعا محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) المعروف بـ (ذي النفس الزكية) ثلاث مرات مرة بالإبواء وأخرى بالمدينة وثالثة بالمسجد الحرام إضافة إلى أخيهما إبراهيم وعمهم صالح بن علي بن محمد بن عبد الله بن العباس.
ولم يكن من قادة الثورة التي سرقها العباسيون أي واحد من بني العباس فالذين زعزعوا السلطة الأموية بالثورات العارمة وأضعفوها وشتتوا شملها وأنهكوا قواها هم العلويون أنفسهم وهم من أزال الأمويين.
المتاجرة بالدماء الطاهرة
وقبل استعراض بداية الدعوة التي سرقها العباسيون نرى لا بد من التطرّق إلى الوضع المزري التي آلت إليه الأمة الإسلامية في عهد الأمويين وما جرى على أهل البيت (عليهم السلام) والذي جعل الناس تقبل بأي تغيير سيكون باسمهم مهما كان في سبيل الإطاحة بالأمويين.
فقد بلغ الوضع في حكم مروان بن محمد آخر الخلفاء الأمويين غايته المأساوية وعمت الثورات والفتن الأقطار الإسلامية وضجّ الناس من ظلم بني أمية وجورهم واستبدادهم والذي جر عليهم الدمار والخراب والفناء، لذلك زادت نقمة الناس على الأمويين خاصة بعد أحداث الطف الأليمة ومقتل زيد بن علي وصلبه وحرقه ومقتل ابنه يحيى واضطهاد العلويين وقتلهم وسجنهم وقمع ثوراتهم بالحديد والنار.
فكان الشعور بالسخط والغضب من الأمويين يتفاقم فاستغل العباسيون هذا الشعور ورفعوا شعار الأخذ بثار الحسين والمظلومين من أهل البيت وتاجروا بالدماء العلوية الطاهرة الزكية واختاروا شعارهم الخاص (الرضا من آل محمد) ليصبغوه فيما بعد بلون دعوتهم الزائفة بادعائهم قربى النبي.
هكذا خدع العباسيون الناس للوصول إلى مآربهم وتحقيق مطامحهم في السلطة، يقول الجنرال جلوب في كتابه (إمبراطورية العرب) عن العباسيين: (كانوا يصورون أنفسهم على أنهم ما جاءوا إلا لينقذوا الأمة من شرور بني أمية وظلمهم وعسفهم الذي لم يقف عند حدود وكانت دعوتهم تتخذ اتجاه التبشير بالخلاص وإنهم سوف يقيمون حكماً مبدؤه العدل والمساواة والأمن والسلام وقد كانت وعودهم هذه كسائر الوعود الإنتخابية التي ألفناها من ساسة العصر الحديث، بل لقد كانت الأماني التي خلقتها الدعوة العباسية في الجماهير مسؤولة إلى حد كبير عن ردود الفعل العنيفة التي حدثت ضد الحكم العباسي بعد ذلك حيث كان حكمهم قائماً على الطغيان المتعطش إلى سفك الدماء).
شرارة الدعوة
بدأ بالدعوة إلى الثورة على الأمويين أبو هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية ونظّم الدعاة ورتّبهم ووزّعهم في البلاد وعندما حضرته الوفاة حضر عنده ثلاثة أشخاص هم:
1 ـ محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب
2 ـ معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب
3 ـ عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب
فاطلعهم على أمر الدعوة، وبانضمام محمد بن علي بن عبد الله بن العباس إلى الدعوة أخذت الدعوة تأخذ منحى آخر غير الذي انطلقت منها والذي انصب على مواجهة العدو المشترك بين الدعاة وهو النظام الأموي، بل تغلغل إليها من يريد الإطاحة بالدعاة أنفسهم والعدو الأموي معاً، فقد بدأ محمد يحوك الدسائس والمؤامرات للإيقاع بالدعاة وقتلهم وتصفيتهم ليصفو إليه الأمر، وكان يخطط للإستقلال بالثورة وسرقتها.
ادعاء الوصاية الكاذب
ادعى محمد في بداية الأمر الوصاية من أبي هاشم عليه كذباً وبثّ ذلك بين الدعاة، وما يدل على كذبه إن معاوية بن عبد الله ادعى الوصاية أيضاً، ولما مات معاوية قام مقامه ابنه عبد الله بن معاوية بادعاء الوصاية وكان له شيعة يقولون بإمامته سراً حتى قتل، كما يدلنا على كذب محمد بن علي إن أولاده إبراهيم الإمام وأبو العباس السفاح وأبو جعفر المنصور وأخوه صالح بن علي قد بايعوا محمد بن عبد الله بن الحسن الحسن بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) كما أسلفنا وهو ما يدل على أن أبا هاشم لم يوصِ لا لمحمد ولا لمعاوية وإنما كانت دعوته للعلويين.
كان محمد بن علي داهية ماكراً غادراً فاختار خراسان للدعوة إليه وإلى أهل بيته، وانتشر دعاته واستقل بهم، وعمل جاهداً على إبعادهم عن معاوية بن عبد الله وعن ولده، واستمر في عمله بمنتهى الحذر والسرية على استغلال نفوذ العلويين لصالحه وصالح دعوته وإيهام الناس بأنه يعمل على الدعوة لهم، فاختار خراسان وأرسل إليها دعاته لأن أهلها شيعة ولم يكن يعرف أنه يدعو لنفسه سوى القليل من خاصته.
سرقة جهود الدعاة وقتلهم
كما عمل محمد على سرقة جهود الدعاة والثوار وصبّها في صالح دعوته، فقد خرج عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ثائراً على الأمويين من الكوفة عام (127هـ) معرّضاً حياته للخطر ولم يدر أن حتفه لن يكون على يد الأمويين، بل على يد من يظن أنهم شركاءه في الثورة!
فقد استولى عبد الله على الكوفة وضمّ إلى دولته شيراز وفارس وكورها وحلوان وقومس وأصبهان والري والبصرة وهمدان وقم واصطخر إضافة إلى الكوفة وعظم أمره جداً وكاد أن يسقط الدولة الأموية التي لم يبق لها إلا الشام وبعض توابعها، لكن هناك من كان يترصّد هذه الفتوحات وهو يغلي من الغيظ وينظر لها بعين القلق غير الأمويين، فقد أقضت مضاجع محمد بن علي هذه الثورة العظيمة وهو يرى أن الأمر الذي خطط له سيفلت من بين يديه فلا بد من معالجة الموقف وإيقاف هذه الثورة.
توجه عبد الله إلى خراسان وهو مطمئن لأن فيها أبو مسلم الخراساني داعية العلويين كما يظن فلم يكن يعلم أن أبا مسلم يدعو للعباسيين وقد لجأ إليه طلباً لنصرته فقتله أبو مسلم بإيعاز من محمد بن علي !! وكان عبد الله بن معاوية في ثورته التي استولى فيها على بلاد كثيرة قد ولّى المنصور على إيذج!
بمثل هذه الأساليب الشيطانية حاكت الدولة العباسية خيوط خلافتها الأولى، الخيوط التي حاكها محمد بن علي بن عبد الله بن العباس ونسج منها في الظلام دولة دموية سادية بشعة جرّت المهالك والويلات والمآسي على الأمة الإسلامية، فمقام محمد في الدولة العباسية مقام معاوية في الدولة الأموية، فكانت خلايا محمد بن علي تعمل بصمت داخل الثورة فتلتقط أيادي الإغتيال زعماء الثورة وهم غافلون، فلم يخطر ببال عبد الله بن معاوية أن محمدا يدعو لنفسه!!
الخطة الشيطانية
لقد بايع الناس محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ومن جملتهم العباسيون كما أسلفنا، وكان محمد بن عبد الله بن الحسن مقدّماً بين الناس، ولم تكن لبني العباس كلمة بوجود محمد. يروي أبو الفرج الأصفهاني في مقاتل الطالبيين (ص239): (إن المنصور كان يأخذ بركاب محمد بن عبد الله بن الحسن ويسوي له ثيابه، ولما سأله أحدهم عنه قال: (إنه مهدينا أهل البيت)، وقد اعترف المنصور بفضله وإنه المرشح للخلافة بقوله: (ما الناس أصور أعناقا ولا أسرع إجابة منهم لهذا الفتى).
ولما مات محمد بن علي حلّ في الدعوة ابنه إبراهيم الملقب بـ (الإمام)، وقد جددت البيعة لمحمد بن الحسن من قبل العباسيين وغيرهم، وفيها جاءت البشارة لإبراهيم بأن البيعة تمت له في خراسان، ففيما يبايع إبراهيم محمداً وكان دعاته يوهمون الناس بأنهم يدعون إلى العلويين كانوا في السر يدعون لإبراهيم!
انظر إلى مدى ما وصلت إليه الخسة والدناءة عند هؤلاء، لقد وضعوا لهذا الأمر خطة شيطانية محكمة بحيث سيؤول الأمر إليهم حتماً في النهاية فلو نجحوا في دعوتهم السرية التي خدعوا بها العلويين والناس، وظلوا هم يحرّكون دعاتهم في الخفاء، فإن بيعتهم للعلويين لا تغني شيئاً، فنكثها أسهل ما يكون عندهم وهذا ما فعلوه، وإذا ما فشلوا فإنهم سيكون لهم يد عند العلويين باعتبارهم من الدعاة إليهم ثم يحركون نفس اليد التي طالما عملت في الخفاء بتصفية الدعاة ويوجهونها لتصفية قادة الثورة العلويين وهم محمد وأخوه إبراهيم ابنا عبد الله بن الحسن وهو ما فعلوه أيضاً بعد أن تقلّدوا الخلافة.
الشعارات المموّهة
بقي العباسيون يدعون لأنفسهم في السر ويتسترون بالعلويين، وكان لربطهم الدعوة بأهل البيت أكبر الأثر في تعاطف الناس معهم واختاروا خراسان للدعوة لأن أهلها من أكثر الموالين لأهل البيت والساخطين على بني أمية وقد ذاقوا من ظلم الأمويين أشد أنواع العذاب والتنكيل.
فكان أهلها بانتظار أية دعوة للعلويين لمساندتها ودعمها والتفاني في التضحية من أجلها كما أن خراسان بعيدة عن الشام دار الخلافة الأموية ولم تكن فيها تيارات متصارعة وفرق متنافرة كالكوفة فكان شعارهم في البداية الدعوة (للعلويين) كما رأينا في مبايعة العباسيين لمحمد ذي النفس الزكية ثم تحول الشعار إلى (أهل البيت) و(العترة) ثم تريجيا مع انتصارات الثورة إلى (الرضا من آل محمد) ومن ثم يقحموا أنفسهم تحت غطاء هذه الدعوة بدعواهم الباطلة بأنهم من أهل البيت وأدعائهم الخلافة بالإرث، وقد كذبوا أنفسهم بأنفسهم في هذه الدعوى فإن كان لهم حق في الخلافة بالإرث فلم بايع إبراهيم والسفاح والمنصور محمد بن عبد الله بن الحسن ؟
تحريف الشعار
إن الشعار الذي رفعه بنوا العباس وهو الدعوة إلى أهل البيت والرضا من آل محمد لا يختلف في أذهان الناس في مضمونه الدال على أئمة أهل البيت والعترة (عليهم السلام) ولكن العباسيين أرادوا به أمراً آخر، يقول السيد أمير علي في كتابه روح الإسلام (ص306): (وقد ظل دعاة العباسيين يؤكدون للناس على أنهم يعملون لحساب أهل البيت وحتى ذلك الوقت كان العباسيون يظهرون الولاء التام لبني فاطمة ويخلعون على حركتهم وعلى سياساتهم مظهر الوصول إلى هدف ضمان العدالة والحق لأحفاد النبي محمد (صلى الله عليه وآله).
ثم يقول عن الشعار الذي رفعه العباسيون واستغلوه وأبطنوا تحته نواياهم: (وكانت كلمة أهل البيت هي السحر الذي يؤلف بين قلوب مختلف طبقات الشعب ويجمعهم حول الراية السوداء)
وقد استغل العباسيون كذلك الظلم الذي لحق بالعلويين من قبل الأمويين وخاصة يوم الطف وما جرى على أهل البيت من القتل والسبي وكذلك ماجرى على العلويين من التشريد والتنكيل والقتل لإثارة العواطف ضد الأمويين واستمروا بالدعوة تحت شعار أهل البيت يقول أحمد شلبي في كتابه (التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية) (ج3ص20): (كان العباسيون يوهمون العلويين بأنهم يعملون لهم ولكنهم في الواقع كانوا يعملون لأنفسهم .... وبقيت الجماهير تعتقد أن الخليفة سيكون علوياً كما كان العلويون يعتقدون ذلك).
ويقول الدكتور فاروق عمر في كتابه (طبيعة الدولة العباسية) (ص209): (إن اسم الإمام كان معروفا لدى الحلقات الخاصة من الشيعة وإن الكثير من الأنصار الذين ساندوا الثورة لم يكن يعرف إن الرضا من آل البيت سيكون عباسياً)
الدعوة خارج محيط أئمة أهل البيت (عليهم السلام)
ولم تكن هذه الدعوة ضمن محيط وفكر أئمة أهل البيت المعصومين (عليهم السلام) فلم يكن للإمام الصادق (عليه السلام) الذي جرت في عصره هذه الأحداث أي يد ولم يُبايع أحداً ولم يقف في أي جانب وكان في معزل تماماً عنها، وكان االمشتركون في الدعوة بعيدين عن محيط الأئمة (عليهم السلام) وإنما تزعم حركة العلويين محمد بن عبد الله بن الحسن وأخوه إبراهيم وقد بايع الناس محمداً سوى الإمام الصادق (عليه السلام) وسنرى موقف الإمام الصادق من هذه الدعوة.
الغاية من التكتم على الإسم
وبلغ من تكتم محمد بن علي العباسي في تخطيطه أنه كان يوصي دعاته على عدم ذكر اسمه إلا لمن يثق به لكي لا يصطدم بالعلويين وجهاً لوجه، ولكي يوهمهم من خلال شعار (الرضا من آل محمد) إلى أنه يدعو إلى العلويين.
فقد جاء في الكامل لابن الأثير (ج4ص310): (إنه أوصى أبا مسلم الخراساني أن يأخذ البيعة إلى الرضا من آل محمد).
وفي نفس الكتاب (ص323): (إن محمد بن علي بعث داعياً إلى خراسان يدعو إلى الرضا من آل محمد ولا يسمي أحداً).
وقال لأحد دعاته واسمه أبو عكرمة: (فلتكن دعوتك إلى الرضا من آل محمد فإذا وثقت بالرجل في عقله وبصيرته فاشرح له أمركم وليكن اسمي مستوراً من كل أحد إلا عن رجل عدلك في نفسك وتوثقت منه وأخذت بيعته)، ثم أمره بالتحاشي عن الفاطميين.
ويذكر الطبري أن محمد بن علي نهى دعاته عن التواصل مع داعية للعلويين اسمه غالب.
وكانت الغاية الأخرى من عدم ذكر اسم الخليفة إنه لو مات أو قتل أحد منهم فإنه سيلي أمره من يرونه منهم مناسباً.
موقف الإمام الصادق من هذه الدعوة
ومن ضمن الذين خدعوا بشعار العباسيين أكبر دعاتهم وهو أبو سلمة الخلال الذي بعث برسالة إلى الإمام الصادق (عليه السلام) يدعوه فيها إلى تزعم خلافة علوية فأحرق الإمام الرسالة وطرد الرسول فلما سئل عن موقفه هذا قال: (مالي ولأبي سلمة وهو شيعة لغيري).
لقد رفض الإمام كل هذه الأمور جملة وتفصيلاً، وكان في معزل عن كل هذه الأحداث، فالإمام أبعد ما يكون عن هؤلاء، وهو أنزه من أن يتقلّد خلافة عن طريقهم، وهو أشرف وأنبل وأزكى وأنقى وأتقى وأطهر نفساً من أن ينازع على خلافة اصطبغت بالدماء ونسجت خيوطها بالغدر وقد فصلوها على مقاساتهم هم، ووضعوا فيها مطامعهم ومطامحهم الدنيئة، إنهم يريدون منه أن يكون كأحدهم وهو جعفر الصادق سليل النبوة ووريث الإمامة وغاية الخلق البشري. كما عرض أبو مسلم الخراساني الخلافة على الإمام الصادق فلم يقبلها أيضاً وكان موقفه مثل موقفه مع رسول أبي سلمة.
ابن الحارثية
بعد موت محمد بن علي خلفه في مقامه ابنه إبراهيم الملقب بـ (الإمام) وأثناء دعوته وقع بيد بني أمية فقتله مروان الحمار آخر خلفاء الأمويين، وكان إبراهيم قد أوصى إلى قائده حميد بن قحطبة إلى من يتولى الأمر بعده وأعطاه علامة بذلك، وكانت العلامة عند السفاح وكان السفاح مع رؤوس العباسيين في بيت أبي سلمة الخلال في الكوفة، فلما دخل حميد بن قحطبة الكوفة أخفى أبو سلمة أمرهم عن حميد وأرسل رسالة إلى الإمام الصادق كما ذكرنا آنفاً، فلما استبطأ العباسيون أبا سلمة شكّوا في الأمر فأرسلوا خادماً من البيت ليستطلع لهم الأمر فرأى الخادم حميد بن قحطبة فعرفه وأخبره الخادم بأمر العباسيين فجاء حميد مع جماعة من أصحابه وأبو سلمة غافل عنهم فدخل حميد البيت فقال لهم أيكم ابن الحارثية؟
وكانت الحارثية أم السفاح والمنصور فقال كلاهما: أنا فقال حميد فأيكما معه العلامة فقال السفاح: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ)، وكانت هذه هي العلامة التي أخبره بها إبراهيم فبايع حميد السفاح خليفة وبايعه العباسيون وأتباعهم ولما جاء أبو سلمة اعتذر منهم بأنه أراد أن يستقيم لهم الأمر ثم يخرجهم فتظاهر السفاح بقبول عذره واحتملها له ثم قتله وهكذا تمت الخلافة للعباسيين.
سلطة الطواغيت
ما إن استولى العباسيون على السلطة حتى سعوا التحكّم بمقدرات الأمة والتسلّط على الرقاب وتصفية كل من يعترض طريقهم، بل كل من أحسوا منه خطراً وكانوا يقتلون على التهمة والظنة وقد قتلوا من وطّد لهم الأمر ومهّد لهم طريق الخلافة، فقد قتلوا دعاتهم أبا سلمة الخلال، وأبا مسلم الخراساني، وسليمان الخزاعي أكبر داعية لهم في خراسان، ولم يلتزموا بعهد ولم يراعوا ذمة لأحد فقد أعطوا الأمان للهبيري قائد الأمويين ثم قتلوه، كما أعطوا الأمان لعمهم عبد الله بن علي ثم قتلوه، ولم تنفع فيه شفاعة أخوته وذويه ؟ ومن جرائمهم البشعة إبادة مدينة كاملة بعد أن أمنوا أهلها وهي الموصل وفي ذلك يقول الشاعر أبو فراس الحمداني:
لا عن أبي مسلمٍ في نصحهِ صفَحوا *** ولا الهبيريَ نجا الحلفُ والقسمُ
ولا الأمانَ لأهلِ الموصلِ اعتمدوا *** فيه الوفاءَ ولا عن عمهم حَلَموا
وعندما تسأل المنصور زوجته عن سبب قتل أكثر من ثلاثة آلاف من أهل الموصل قال لها: وحياتك لا أدري !!!
جرائمهم بحق العلويين
أما جرائمهم بحق العلويين فقد فاقت جرائم بني أمية حتى قيل في ذلك البيت المشهور:
تالله ما فعلت أمية فيهم *** معشار ما فعلت بنوا العباسِ
فبعد أن تمت لهم الخلافة لم يكن أخطر عليهم من محمد بن عبد الله بن الحسن وأخيه إبراهيم لأن في رقبتهم بيعة لمحمد كما أشرنا فانصب اهتمامهم على تصفية العلويين فمارسوا أبشع الأساليب القمعية لإبادة العلويين عن بكرة أبيهم ولم يهدأ لهم بال حتى جيء برأسي محمد وإبراهيم للمنصور الدوانيقي.
السفاح
وهذه بعض الفقرات مما جاء في كتب التواريخ عن السياسة الدموية لنبي العباس يقول أحمد أمين في كتابه ضحى الاسلام: (ج1ص105) عن السفاح: (كانت حياته حياة سفك للدماء وقضاء على المعارضين)، وقد سلّط السفاح على العلويين جلاوزته لقتلهم، وكان يضع عليهم الجواسيس والعيون، قال الطبري والمسعودي: (إن السفاح قال لبعض ثقاته وقد خرج وفد من بني الحسن من عنده: (قم بإنزالهم ولا تأل في إلطافهم وكلما خلوت معهم فأظهر الميل إليهم والتحامل علينا وعلى ناحيتنا وإنهم أحق بالأمر منا واحص لي ما يقولون وما يكون في نسيرهم ومقدمهم).
المنصور الدوانيقي
أما المنصور فقد اتبع سياسة دموية هوجاء تجاه العلويين فكان يضعهم في الاسطوانات، ويبنيها عليهم، ويسمّرهم في الحيطان، ويتركهم يموتون جوعاً، ثم يهدم المطبق على من تبقى منهم حياً، وهم في أغلالهم، إلى الكثير من الأساليب البشعة، وتعد سياسة المنصور تجاه العلويين، من أقبح صفحات التاريخ العباسي ومن أقسى فترات العلويين في عهدهم.
يقول المسعودي: (إنّ السرّ في تسمية نفسه بالمنصور، لانّه انتصر على العلويين)
ويقول الطبري: (إنّه ترك خزانة فيها رؤوس من العلويين، وقد علّق في كلّ رأس ورقة كتب فيها ما يستدلّ على اسمه واسم أبيه ومنهم شيوخ وشبّان وأطفال)
يقول السيوطي: (قتل خلقاً كثيراً حتّى استقام ملكه).
وكان يشعر بالنقص في نفسه وهو يقتل العلويين وقد بايعهم بالأمس فكان يقول: (آل أبي طالب لم تغمد سيوفهم ونحن بين قوم رأونا بالامس سوقة واليوم خلفاء، فليس نتعهد هيبتنا إلاّ بنسيان العفو واستعمال القوّة).
المهدي
أما المهدي فقد كان يتهم من يوالي أهل البيت بالإلحاد، وهي ذريعة للإيقاع بهم وقتلهم، وقد ذكرنا في بداية المقال اشتهاره بالخلاعة والمجون وسفك الدماء وقد مارس في سياسته وسائل دنيئة وخسيسة للإيقاع بالشيعة وقتلهم والحط من قدرهم وكان يتهم الشيعة بالزندقة لتبرير قتلهم وتشريدهم ومطاردتهم أمام الرأي العام يقول عبدالرحمن بدوي في كتابه: (من تاريخ الالحاد في الاسلام) (ص37): (إنّ الاتهام بالزندقة في ذلك العصر كان يسير جنباً إلى جنب مع الانتساب إلى مذهب الرافضة)
الهادي
إننا في الحقيقة لا يمكن أن نطلق هذه الألقاب على هذه الشخصيات الشاذة والدموية إلا من باب الدلالة عليها وإلا فهم من أبعد الناس عنها كما قال تعالى: (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ)
فهذا الخليفة الذي لقب نفسه بـ (الهادي) عاش أهل بيت النبوة في عصره عصر رعب وكان يتشدد في طلبهم وقتلهم، يقول اليعقوبي عنه: (أخاف الطالبيين خوفاً شديداً، وألحّ في طلبهم وقطع أرزاقهم وعطياتهم، وكتب إلى الافاق يطلبهم)، وقد جرت في عصره واقعة فخ الدموية التي حمل فيها أكثر من مائة رأس علوي إليه فأمر بصلبها وعرضها على الناس.
الرشيد
أما الرشيد فليس أدل من قول (الخوارزمي) في وصف سياسته القمعية الدموية تجاه العلويين حيث قال: (الذي حصد شجرة النبوة واقتلع غرس الامامة). وقال الفخري في الاداب السلطانيّة: (كان يقتل أولاد بيت الرسول من غير جرم). وقد هدم قبر سيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين وسجن الإمام موسى بن جعفر وقتله بالسم ومن أراد التوسّع في جرائم العباسيين بحق العلويين فليرجع إلى كتاب (مقاتل الطالبيين) لأبي الفرج الاصفهاني الذي نقل بعض جرائم العباسيين بحق العلويين لأن جرائمهم لا تعد ولا تحصى.