ما زال المستشرقون يحملون خلف " إستشراقهم " نوايا وأهداف تحمل بين طياتها ما تحمل من خبث ومكر، خصوصا وأن جل ـــ أن لم تكن كل ـــ نتاجاتهم الإستشراقية التي بنيت وفقا لرحلات وجولات طويلة وعميقة؛ إنما هي دراسة للمجتمعات العربية والإسلامية وتفكيكا لبنيويتها وأطلسة لخرائطها؛ بغية إحداث ما يستطيعوا أحداثه من تغيرات اجتماعية وربما عقائدية من خلال عصب الأسرة وعمودها الفقري المتمثل بـ " المرأة "؛ ولا يكون ذلك إلا بعد أن تعُرض دراساتهم هذه على مراكز رصدية وأخرى بحثية وثالثة تحليلية ووفقا لمناهج علمية توظف نقاط القوة قبل الضعف؛ بما يخلق لهم معادلات هدم مجتمعي للمجتمعات الشرقية ومنها العربية والإسلامية على وجه الخصوص وصولا لتغريبها وتنميطها وفقا للأنموذج الغربي فكريا واجتماعيا وسلوكيا.
ومن أهم نقاط القوة التي ركز عليها هؤلاء المستشرقون هي عزل الفرد المسلم عن مجتمعه الاسلامي وتمييع عاداته وتقاليده وشرخها بكسر القداسة والمقدس لديه، وإحلالها لنمطية جديدة بدلا عن ذلك كأسس اجتماعية لحياة إسلامية " عصرية "، ولا يكون ذلك الا بعد خلق بيئة تشكيك لدى الفرد المسلم بجماعته ومن ثم الجماعة بالمقدس.
ومن أهم وسائل هؤلاء المستشرقون هو إثارة الشبهات حول القيم الاجتماعية في الإسلام وتلميع صورة الحياة الغربية قبالة تشويه ممنهج للحياة الأسلامية؛ ومن هذه الصور المغالاة المفرطة في تصوير مزايا المجتمع الغربي وتعامله مع المرأة وأفضليته على المجتمع الشرقي عامة والمسلم خاصة! بعد ان يصوروا أن المجتمع الشرقي يوأد المرأة جهارا ونهارا وانه مجتمع متخلف وجامد بجمود قيمه ودينه، وهو ما اثر في وجدانيات وربما عقول الكثير من المسلمين ممن وقع تحت تأثير التصدير الإعلامي للحياة الغربية وحالة اللمعان فيها حتى لوحظ ثمة من يخطط لإقامة مجتمع إسلامي بقالب غربي حضارة وسلوكا.
ومن ملامح عزل الفرد المسلم عن مجتمعه وربطه بمجتمعات اخرى، هو الهجوم الإستشراقي على التركيبة الأسرية للعائلة المسلمة ومن ذلك وضعية المرأة فيها، حيث اتهموا هذه البيئة بأنها بيئة أسر وارتهان للمرأة المسلمة وأنها ـــ المرأة المسلمة ـــ خالية الوفاض من أي مكتسب في مجال الحقوق او الحريات، فضلا عن حالة الاستلاب لشخصيتها ورهنها بالرجل، من خلال توظيفات مستفزة؛ منها.. تخلفها وضعفها وكونها عنصر غير فاعل في الحياة الأسرية لأنها لا تعمل خارج البيت! فضلا عن كونها شيء " نكرة ومقزز ـــ حسب فهم شريكها الرجل ـــ بلحاظ حكمها بالحجاب وربما الخمار " .
ويعزف المستشرقون من خلال طروحاتهم الإستشراقية على وتر المساواة بينها وبين الرجل ـــ تجاهلا منهم لكون " العدالة أقوم من المساواة "، مع ما تستشفه هذه الطروحات على استفزاز لها ودفعها للتمرد وربما الثورة على شريكها الرجل ومن خلفه البيئة التي تلزمه بهكذا " قيود " حسب ظنهم، مما أدى الى ظهور الطفيليات " الفكرية " المحسوبة على المنظومة الفكرية الاسلامية التي تتبنى مفهوم " المساواة " تبنيا أعمى من خلال تناسي الفروقات بين الرجل والمرأة وخصوصيات كل منهما .
وفي مستنقع التكرارية والنظرة الأحادية، راح اللاهثون خلف الرؤى الإستشراقية بتوظيف المرأة الغربية على أنها الأنموذج الأمثل والذي لابد للمرأة المسلمة من الاحتذاء به! وإسقاط النظام الاجتماعي الغربي ووضع المرأة الغربية فيه على وضع المرأة المسلمة خصوصا بما يتعلق بالمساواة بين الجنسين وحرية المرأة بشكل مطلق دون مراعاة للاختلاف الجوهري بين طبيعة النظام الاجتماعي في الغرب عنه في الشرق؛ او بين تركيبتها الفسلجية عن تركيبة شريكها الرجل.
كما سعى الإستشراق ومن خلفه المستشرقون الى تقويض وهدم وضع المرأة المسلمة داخل أسرتها وتفكيك نظامها الأسري من خلال حثها على التمرد على هذه البيئة والخروج عليها باسم " الحرية "، وتصوير " مظلوميتها " قبالة قرينتها الغربية التي تتمتع بحريات متعددة.
لذا ندعوا لمراجعة علمية وتدبر عميق في حقوق المرأة بل وحتى واجباتها، وهذا كفيل بأن يكشف لنا ولها بأن ما يحكمها من قيم وتشريعات إنما هي من حكومة " حكيم " لا يغادر " صغيرة ولا كبيرة "؛ وبالتالي فهي أنصف ما يمكن ان تبحثي عنه، وأن المناداة بالتجربة الغربية ينم عن عدم فهم وتسطيح لطبيعة الحريات الممنوحة لها، وعدم إدراك للمفاسد الاجتماعية والأخلاقية المترتبة على " الانفلات " الذي يحكم المرأة الغربية ومنه إفقادها لكرامتها وشخصيتها بداعي الحرية .