أناقة المرأة، الأزياء، الموضة ... مفردات باتت فاكهة حديث الكواليس الخاصة بعالم المرأة، بل أن الأمر تعدى ذلك وصار مادة خصبة ليس لها انتهاء في القنوات الفضائية والإذاعات والمجلات والمواقع الإلكترونية، ناهيك عن الأسواق التي تعنى بذلك، بل ومراكز ومعاهد ودور متخصصة في كل ذلك، حتى باتت هذه المفاهيم تسري متبخترة على قائمة اهتمامات المرأة وأولوياتها!
وربما هنالك من يسأل: هل أناقة المرأة المسلمة وطلتها ووسامتها وموضتها تتعارض مع زيها الشرعي وضابطته ومحدداته؟ بمعنى أدق، هل أن أناقة المرأة واهتمامها بهندامها وعصريته يخرجها عن التزامها الشرعي؟
للإجابة على هذه السؤال، لا بد لنا ان نعرف ان حاكمية هذا الموضوع تكمن في معرفة الفارق بين مفهومي اللبس الأنيق واللبس المثير.
إذ الملاحظ إن الإعلام وبحثه عن المكاسب المادية ومن خلفه مدعّو التحرر والمدنية، قد وظفوا مآربهم من خلال وصف الزي الإسلامي المحتشم على انه مبتذل و رّث وان المرأة التي تلتزمه غير مهتمة بنفسها ولا تعي مفاهيم التحضر والتمدن ليطرحوا بعد ذلك بالي بضاعتهم وأفكارهم التوهينية، فضلا عن عوامل متعددة اخرى كان لها الدور الأكبر في تغرير المرأة ودفعها للموضة نصف المحتشمة بل وحتى غير المحتشمة، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
ـ طبيعة السوق غير المنضبطة، وجشع التجارة وتجارها ـ قدر تعلق الإمر بعالم المرأة ـ وعدم وجود ضوابط تحكم المستورد ماديا وثقافيا ومندرجات ذلك من مراكز تجميل ودور أزياء.
ـ ثقافة البذخ والترف المعيشي لدى بعض النساء وهو ما يدفعها الى استعراض قدرتها المادية من خلال هكذا توجه.
ـ سطحية تفكير بعض النساء وسذاجة عقول البعض الأخر مشفوعا بثقافة التغييب والتجهيل التي تعتمدها بعض الرؤى.
ـ وأخير، التربية والتنشئة الأسرية قدر تعلق الأمر برسم ملامح شخصية الفتاة وتشكيل وعيها وترتيب اولوياتها واهتماماتها وموائمة كل ذلك مع سلوكياتها وبالتالي رأيها وفكرها.
كل تلك الدوافع جعلت من المزاج المحلي لنسائنا يقترب من مزاج المرأة الغربية في زينتها وأناقتها.
وفي خصوص ذلك لابد ان نؤكد على ان حفاظ المرأة على اناقتها ونظافتها وجمالها أنما هو ما تندب اليه الشريعة الغراء، فلم يدّع احد ان الإسلام، بل والفطرة السليمة، يروجان لمفهوم ما، يناوئ او يجانب مفاهيم الاهتمام بالذوق السليم والجمال والهندام اللائق، الا إن كل ذلك كان مشروطا بمراعاة الضوابط الشرعية، وعليه فلا تعارض ولا تنافى مع النظافة والأناقة والوسامة.
واهم ما ينصرف اليه ذهن المرء منا، بخصوص اناقة المرأة وهندامها، هو حجابها، والمقصود بالحجاب هنا الزي المحتشم أي ما يحجب مفاتن المرأة وليس بمفهومه الضيق والمخصوص بحجاب الراس الساتر لشعر المرأة، ولا يختلف اثنان فيما للحجاب من اهمية خاصة ومميزة للمرأة بدءا من سترها وانتهاء بأناقتها بل و وقارها الذي به تصنع جدارا واقيا لها من اعين المتلصصين، ناهيك عما يكسبها من ثقة واحترم، وهو ما يحتم عليها ـ أي المرأة ـ أن تعي فلسفة الحجاب والستر وإمكانية مزاوجتها ـ وأقصد فلسفة الحجاب ـ مع الأناقة والجمال.
ولكن الملاحظ أن المرأة قد غيرت لبسها الشرعي عما كان قد بينه الشارع المقدس باعتمادها الموضة والعصرية التي تتنافى والذائقة العامة، مما أدى الى فقدان دوره وأهميته وهدفه في الستر وتورية الجمال، وفي هذا الصدد، لابد لنا من توضيح ان الأصل في تشريع الحجاب إنما للستر وعدم تبيان المفاتن والزينة لغير المحارم مما بينها النص القرآني ( (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ
أوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ
يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)) (النور ـ 31)، ( (يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون)) (الأعراف ـ 26ـ27)، إذ يلاحظ ـ والله العالم ـ من ظاهر الآيات الكريمات، إن موضوع الحجاب له جنبتين اثنين، الأولى الستر والثانية الزينة، كما إن الإسلام قد حرص كل الحرص على مجاراة فطرة المرأة في الاهتمام بجمالها ومظهرها الخارجي بل إنه ـ الإسلام ـ قد اهتم بزينتها وأناقتها بشكل خاص ومنحها الرخصة في ذلك أكثر مما منح قرينها الرجل، خصوصا في موضوع لبس الحرير والذهب، وهو بذلك قد جارى نداء انوثتها ولبى نزوع نفسها نحو التزين والتأنق وميلانها للاهتمام بمظهرها الخارجي، الا إن أخذ الموضوع من جانب المرأة اليوم على محمل الإطلاق دون قيد او شرط إنما هو مجانبة للصواب، وتسطيح لشروط الشارع المقدس و قيوده وضوابطه وقواعده، إذ إن من واجب المرأة المسلمة أن تحافظ على عفافها وحشمتها وأن تهتم بجمالها الباطني كاهتمامها بجمالها الظاهري، وبقدر موائمتها لهذين الجانبين ستكون أنموذجا للمرأة المسلمة الأنيقة بشكلها الظاهري والطاهرة والعفيفة بجوهرها الباطني، وبذلك فقد تحصلت الجمالين في آن واحد ومن خلالهما مرضاة الله جل وعلا.
كما ان مفهوم الحجاب ـ عدا ما ذكرناه في إعلاه ـ فأن له مكانة وسمو رفيعين، بتمثيله للمفاهيم الأخلاقية والجمالية، خصوصا وهو يبتعد عن توظيف جسد المرأة كمعرض صوري (Gallery) بل صيّره جدار واقي وهبة سماوية لها وظائفها سواء ما كان منها حيوي (افعال حيوية) او حضاري (انساني بالمعنى الأعم والأشمل) بما يتموسق مع الهدف المبتغى من اصل الخلقة والتنشئة من هذا الكائن (المرأة) ليتسنى لها من خلاله هدف كينونتها المتمثل في العبادة (وما خلقت الجن والأنس الا ليعبدون) وصولا للغاية الأسمى (اني جاعل في الأرض خليفة) بما يحفظ استمرار النوع الإنساني فضلا عن تعمير كوكبه، وهو ما يلزمها ـ أي المرأة ـ بأن لا ترد هدية بارئيها التي شرفها بها ورفع من خلالها قدرها بفهم حقيقة الحكمة التي يريدها الحكيم الكريم من حجابها بما حدده لها من صفة لملبسها وحدود زينتها، بل ويجب ان لا تحابي احدا في ذلك، وأن لا تقدم بخصوصه أية تنازلات إرضاء لأذواق الأخرين بحجة الحياة العصرية ومواكبة الموضة وما يمكن ان يصيروها من خلاله كهيكل تعرض عليه بائد افكارهم، إذ انهم ـ الغربيون ومن يمهد لهم بعلم او بدونه ـ وبعد أن يأسوا عاجزين من اقناعها بالتخلي عن حجابها، ها هم يسوقون لها حيلهم الشيطانية من خلال صنعهم للملابس التي يدسون من خلالها مآرب ومراميهم بداعي عصرنة الحجاب وهم بذلك يمرحلون عليها فكرة التخلي عن الحجاب على شكل مراحل وخطوات، فحيث ينادون بأن هذه الملابس عصرية بدعاية تغريرية، فكان حجاب الأميرة مرة والبنطلون الإسلامي في اخرى وثالثة في الألوان والفصالات المزركشة مما يمكنها من رسم خارطة جسد المرأة، إذ ان المرأة بدت تتجرأ على ارتداء البنطلون الجينز والملابس الضيقة وربما المكشوفة مع وجود حجاب الراس (وهو يغطي الشيء البسيط منه) وبذلك فأنهن يبخسن مفهوم الستر والحشمة ويغفلن ما حدد الشارع المقدس في الحجاب ومتضمناته من ستر وعدم لفت النظر لمفاتنها ومحاسنها البدنية.
لذا، فعلى المرأة الملتزمة ان تراعي في حجابها باستيعابه لجميع بدنها الا ما أستثني من وجه وكفين، وان لا يكون بحقيقته زينة وتزين (أمام من لا يسمح لها بالتزين امامه)، ولا مما يندرج في حقل التشبه بالرجال، او تقليد اهل الكفر والفسوق، فضلا عن ضمان عدم قصديتها من خلاله للشهرة ولباس اهلها.
وهنا لا بد لنا من النظر للموضوع من زاوية اخرى، تفسر لنا مرامي مدعو التحضر والمدنية بخصوص حجاب المرأة خصوصا ونحن نعاني مفاهيم العولمة وفي مختلف النواحي سيما الازياء والموضة، ولا ينكر ما لبعض جوانب العولمة من اثر طيب في زيادة إدراك المرأة وأحاطتها بالمتغيرات التي تخص بنات جنسها ومحيطهن، فضلا عن زيادة معارفها الفكرية وربما الذوقية، الا ان ذلك لا يمكن ان يحل محل قيمها المجتمعية التي قبلتها بعد تنقيتها وملائمتها لطبيعتها من حيث الدين والعرف والثقافة.
لذا فان مفهوم تمييع الحجاب وما يمكن ان يستتبع ذلك من الغاءه من خلال تصدير ثيمة موحدة للمرأة (الإستايل الواحد) يعد إلغاء لخصوصيات المجتمعات ووثقافاتها الدينية والعرفية والحضارية والثقافية وايصالها للقبول بفرض صورة
نسائية واحدة ـ لكل النساء على مختلف مشاربهم ومعتقداتهن ـ مشفوعة بملامح الإثارة وثقافة الجسد والتعري ومن ثم إخفاء ما يكون من مميزات للمرأة المسلمة، وسلخها من واقعها الملتزم من خلال تمييع هويتها واستلاب نقطة القوة فيها بالغسول الفكرية الموجهة صوبها وهو ما يمكن عدّه القذيفة الأولى ضد أصل التنشئة في بيئاتنا الإسلامية.
وخلوصا من كل ذلك، وعلى الرغم من أن المرأة تعاني اليوم ضربات موجعة في معتركها المقاوم للتيارات المنحرفة فأنها بحكم الجهاد، إذ أن الجهاد الفكري والثقافي مسؤولية كبيرة مما يلزم المرأة أن تنهض من سباتها العميق خصوصا في وقت باتت فيه الصادرات الفكرية والثقافية تغزو بيوتنا ومدارسنا ودوائرنا رغما عنا، ومع كل ذلك فإنها ـ أي المرأة ـ قادرة على أن تجند طاقاتها وإمكانياتها ضد من يحاول استلابها حجابها وعفتها، وأن تنتخب ما يمليه عليها وجدانها الصافي ودينها الحنيف وفطرتها السليمة، وبالتالي صناعة اسوار واقية لها تمتن بها حصانتها الفكرية والثقافية إزاء هذه الهجمات التي البسوها ثوب العولمة إذ لا مناص لها الا ان تثور على الثقافة السطحية التي اراد البعض تمريرها عليها، ولا يمكنها الثورة ضد كل ذلك الا بعد أن تقبل النمذجة الإلهية لنسوة البيت النبوي الكريم.