موضوع: المجتمع وعوامل الانحراف السبت أكتوبر 29, 2016 11:12 am
إن أول ما يلفت انتباهنا في قضية عاشوراء هي أن نلاحظ ماذا حدث بعد خمسين سنة من وفاة الرسول صلى الله عليه و آله و سلم بحيث وصل الحد إلى أن يضطر مثل الإمام الحسين عليه السلام إلى أن يضحّي بنفسه لأجل إنقاذ المجتمع الإسلامي، تارة تكون هذه التضحية بعد ألف عام من صدر الإسلام أو تكون في مركز الدول والشعوب المعاندة للإسلام والمعارضة له وهذا كلام اخر، ولكن الذي يجدر بالبحث والتأمل هو أن تكون هذه الثورة في مركز الإسلام وفي المدينة ومكة )مركز الوحي( وبواسطة الإمام الحسين بن علي عليه السلام بحيث لا يجد وسيلة غير التضحية بنفسه تضحية دموية عظيمة.
إذن فأي وضع كان بحيث يشعر الحسين بن علي عليه السلام أن حياة الإسلام مرهونة بالتضحية بنفسه، وإلاَّ سيفرّط بالإسلام؟ فنحن يجب أن ننظر ونلاحظ الذي حدث حتى ال الأمر إلى أن يصبح شخص كيزيد حاكماً على المجتمع الإسلامي؟ المجتمع الإسلامي الذي كان النبي فيه حاكماً في مكة والمدينة ويعطي فيه الرايات للمسلمين فيذهبون إلى أقصى نقاط جزيرة العرب وحدود الشام ويهددون الإمبراطورية الرومانية ويفرّ جنود العدو أمامهم ويرجع المسلمون مؤزرين بالنصر )كما حدث في تبوك( كيف أصبح هذا المجتمع الإسلامي الذي كان يعلو في مسجده وشوارعه صوت تلاوة القران ويقرأ فيه شخصية كالنبي صلى الله عليه و آله و سلم الايات القرانية بلحنه وأنفاسه ويعظ فيه الناس ويقودهم إلى الصراط القويم، ماذا حلَّ بهذا المجتمع وهذا البلد وهذه المدن بحيث ابتعدوا عن الإسلام لدرجة أن يتأمر عليهم شخص كيزيد؟ لماذا يحلّ ظرف بحيث يكون فيه مثل الحسين بن عليعليه السلام مضطراً إلى هذه التضحية العظيمة والتي لا نظير لها في التاريخ. ما الذي حصل حتى وصلوا إلى هذه الحالة؟ يجب أن نبحث هذا الأمر بدقة.
فنحن اليوم بمجتمع إسلامي. ويجب أن نرى ما هي الافة التي حلَّت بذلك المجتمع الإسلامي بحيث أوكل أمره إلى يزيد. وال الأمر إلى رفع رؤوس أولاد أمير المؤمنينعليه السلام على القنا وأن يُطاف بها في المدينة التي كان يحكم فيها قبل عشرين سنة!
فالكوفة هي نفس تلك المدينة التي كان أمير المؤمنين عليه السلام يتجول في أسواقها، ويحمل سَوطه على عاتقه ليأمر الناس بالمعروف وينهاهم عن المنكر. وهناك كانت تعلو أصوات تلاوة القران في أناء الليل وأطراف النهار من المسجد. هذه هي المدينة التي يُطاف فيها الان ببنات وحرم أمير المؤمنين عليه السلام أسرى في سوقها. ما الذي حدث حتى وصل الحال إلى هنا بعد عشرين عاماً؟ الجواب هو وجود مرض في المجتمع له القدرة على أن يوصل خلال بضع عقود مجتمعات كان يترأسها أمثال الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله و سلم وأمير المؤمنين عليه السلام إلى هذا الوضع المأساوي. فهذا مرض خطير ولذا يجب أن يحذر مجتمعنا من الابتلاء بهذا المرض ويجب أن نحدده ونعتبره خطراً جدياً ونتجنب عنه. وفي نظري فإن نداء عاشوراء هذا أشد فورية لنا اليوم من سائر دروس ونداءات عاشوراء. يجب أن ندرك أيّ بلاء حلَّ على المجتمع بحيث يُطاف برأس الحسين بن عليعليه السلام السبط الأول في العالم الإسلامي وابن خليفة المسلمين علي بن أبي طالبعليه السلام في نفس المدينة التي كان يتربع والده على منبر الخلافة فيها ومن دون أن يتحرك ساكن يجب أن نفهم كيف جاء أشخاص من تلك المدينة إلى كربلاء ليقتلوه هو وأصحابه عطاشى ويسبوا حرم أمير المؤمنين عليه السلام ولكنني أعرض اية قرانية في مقام الجواب عن هذه التساؤلات. لقد أعطى القران الجواب وحدده للمسلمين في افتين ومرضين. وهذه هي الاية: »فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً«.
إذن هناك عاملان هما أساس للضلالة والانحراف العام، أحدهما الابتعاد عن ذكر اللَّه والذي يتجلى في الصلاة والعبادة، والذي يعني الغفلة عن اللَّه والمعنويات وفصل الحياة عن المعايير المعنوية، وإهمال التوجه إلى اللَّه تعالى والذكر والدعاء والتوسل وطلب التوفيق منه، والتوكل عليه وفصل الحسابات الإلهية عن الحياة، والعامل الاخر هو إتباع الشهوات والملذات وبعبارة واحدة السعي وراء الدنيا والاشتغال بجمع الثروة والمال والوقوع فريسة للشهوات الدنيوية واعتبارها أساساً ومبدأً ونسيان الأهداف الحقيقية.
هذا مرض رئيسي وخطير ويمكن أن نبتلي نحن به أيضاً. فلو أن الحالة المبدئية تزول أو تضعف عندنا وكل منا يفكر بأن ينتزع حصته من الغنيمة حتى لا نتخلف في دنيانا عن الاخرين، ويقول في نفسه أن الاخرين قد جمعوا لأنفسهم ويجب أن نذهب نحن أيضاً لنجمع لأنفسنا ونضع مصالحنا فوق مصالح المجتمع. فمن المعلوم حينئذٍ أن يصل بنا الحال إلى ذلك الوضع. فسرُّ وجود النظام الإسلامي وبقاءه وتطوره هو الإيمان والهمم العالية والاهتمام بالمبادىء وإحياءها. ومعلوم أن توهين الأهداف واللامبالاة في أصول الإسلام والثورة وفهم كل الأمور والتعامل معها بذهنية مادية سوف يصل بالمجتمع إلى تلك الوضعية.
ولهذا السبب ابتلي بها أولئك الناس ففي وقت، كان المسلمون يهتمون بتطوير الإسلام ورضا اللَّه وتعليم الدين والمعارف الإسلامية والإطلاع على القران والأنس بمعارفه، وكان الجهاز الحكومي والإداري للبلاد جهازاً زاهداً في الدنيا، نقياً، لا يعير أهمية لزخارف الدنيا والشهوات الشخصية، فكانت النتيجة حينذاك تلك الحركة العظيمة التي توجّه الناس فيها إلى ربهم. في تلك الوضعية يبرز مثل علي بن أبي طالبعليه السلام خليفة للمسلمين ومثل الحسين بن علي عليه السلام شخصية مرموقة. والسبب هو أن تلك المعايير تتجسد فيهم أكثر من غيرهم. عندما يكون المعيار هو اللَّه والتقوى والإعراض عن الدنيا والجهاد في سبيل اللَّه، فإن الذي يتواجد في الساحة حينئذٍ هم الأفراد الواجدون لهذه المعايير. هؤلاء هم الذين يأخذون مقاليد الأمور بأيديهم ويصبح المجتمع مجتمعاً إسلامياً. ولكن عندما تتبدل المعايير الإلهية فسوف يستلم الأمور كل من هو أحرص على الدنيا وأشدّ في إتباع الشهوة وتحصيل المنافع الشخصيَّة وأبعد عن الصدق والحقيقة، حينذاك تكون النتيجة صيرورة أمثال عمر بن سعد والشمر وعبيد اللَّه بن زياد أمراء، وذهاب أمثال الحسين بن علي عليه السلام إلى المذبح واستشهاده في كربلاء وهذه قضية منطقية.
لا ينبغي أن يسمح الأشخاص الحريصون بتبدل المعايير في المجتمع. فلو أبدل معيار التقوى في المجتمع فمما لا شكَّ فيه أن يُراق دم إنسانٍ تقي كالإمام الحسين بن عليعليه السلام. ولو أن الدهاء والانغماس في الشؤون الدنيوية والإيقاع بالاخرين والدجل وعدم الاهتمام بالقيم الإسلامية، اعتبرت ملاكاً في الأفضلية، فإن شخصاً كيزيد يجب أن يكون على رأس السلطة ويجب أن يصبح شخص مثل عبيد اللَّه الرجل الأول في العراق. لقد كان همّ الإسلام هو تغيير هذه المقاييس وكل همّ ثورتنا كان الوقوف بوجه هذه المقاييس المادية العالمية الباطلة والخاطئة وتغييرها.
لقد أشاعوا أن سبط رسول اللَّه، ابن فاطمة وابن أمير المؤمنين، خارج على الإمام العادل وذلك الإمام العادل هو يزيد بن معاوية وصدَّقهم الناس!!
إن أفراد السلطة الحاكمة أناسٌ ظلمة يقولون ما يحلو لهم، ولكن لماذا يصدّقهم الناس؟ ولماذا يلتزمون الصمت إزاءهم؟ إن ما يثير هواجسي هو هذا الجانب من القضية، لماذا وصلت الأمور إلى هذا الحد؟ ولماذا أُصيبت الأمة الإسلامية وهي على تلك الدرجة من التدقيق في تفاصيل الأحكام الإسلامية والايات القرانية، لماذا أُصيبت بهذه الحالة من الغفلة والتهاون والتراخي الذي انتهى إلى بروز فاجعة كهذه؟ هذه المسألة تشغل فكر الإنسان. وهل نحن أقوى عزماً وأشدّ شكيمة من مجتمع عهد الرسول وعهد أمير المؤمنين؟ وماذا نفعل حتى لا يجري مثلما جرى؟